والدتي تطلب الطلاق من والدي بسبب المصاريف
2025-08-17 04:18:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والدي يضيق علينا أنا وأخواتي ووالدتي، من ناحية المصاريف؛ بسبب ضائقة مالية مستمرة لأكثر من عشر سنوات، ووالدتي لم تعد تتحمل هذه الضائقة حاليًا.
كما أن والدي يضرب والدتي بين الحين والآخر، بسبب طلبها زيادة المصاريف، أو بسبب طلبها ألَّا يصرف على أخيه الذي لا يعمل، وحاليًا والدتي طلبت الطلاق، ووالدي يرفض أن يطلقها، ووالدتي ممتنعة عن العلاقة الزوجية معه، بسبب رفضه الطلاق.
السؤال: ما حكم الدين في طلب والدتي الطلاق، وامتناعها عن العلاقة الزوجية؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالحكيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبًا بك أخي الكريم في اسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: الواجب على الوالد أن ينفق عليكم بحسب استطاعته، وألا يُقَتِّر عليكم في النفقة؛ لأنه هو المسؤول عن الإنفاق، كما قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقال نبينا ﷺ لهند بنت عتبة: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»، وقال ﷺ أيضًا: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» أو قال: «أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» فهذه الأدلة وغيرها تبين وجوب النفقة على الأسرة.
ثانيًا: نفقة الأبناء تجب على الوالد إلى سن الثامنة عشرة، إلا إذا كانوا عاجزين، أو يدرسون، أو لم يجدوا عملًا، وحينها تجب النفقة عليهم، وتسقط النفقة عن الولد إذا كان موسرًا غنيًّا، ومن استطاع من الأبناء أن يجد عملًا لمساعدة والده، فذلك من البر بالوالد.
ثالثًا: لا يجوز لوالدك أن يُنفق على أخيه بحجة أنه لا يشتغل، خاصة إذا لم يكن به عِلّة، وإنما لعجزه أو تكاسله، ويُقَتِّر على أسرته؛ فهذا من قلة الفقه والفهم في الشرع، فلا يجوز له أن يحتج بأنه "أخوه"، بل حتى لو كان الأخ مريضًا أو بلا عمل، فقد قال ﷺ كما في صحيح مسلم: "«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ».
رابعًا: صح عن النبي ﷺ أنه قال: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى ذِي قَرَابَتِهِ أَوْ قَالَ: عَلَى ذِي رَحِمِهِ، وَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَهَا هُنَا وَهَهُنَا» (رواه أحمد وأبي داود والنسائي).
وكذلك جاء في حديث الرجل أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي دِينَارٌ، فقَالَ ﷺ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ»، فقَالَ الرجل: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، فقَالَ ﷺ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ»، فقَالَ الرجل: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، فقَالَ ﷺ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ»، فقَالَ الرجل: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، فقَالَ ﷺ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ»، فقَالَ الرجل: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، فقَالَ ﷺ: «أَنْتَ أَبْصَرُ» (رواه أحمد وابن ماجه وأبي داود والنسائي)، فهذا الحديث يبيِّن التسلسل الصحيح للإنفاق.
خامسًا: الذي أنصح به أن تكون المطالبة بزيادة النفقة من الأبناء؛ حتى تتجنب الأم التصادم مع زوجها، وإن استطاع بعض الأبناء أن يعينوا والدهم في النفقة، ولو سرًا؛ فذلك أفضل لتجنب المشاكل الأسرية.
سادسًا: على والدتكم أن تقْتَصد في المصاريف، وعليكم ترشيد نفقاتكم، ولا تُكثِروا الطلبات منها في أموركم الشخصية، بل اطلبوها مباشرة من والدكم، ومن يحبهم ويعزهم والدكم.
سابعًا: على والدتكم أن تنفق المبلغ الذي يدفعه والدكم في الضروريات:
• الضروريات: الغذاء والدواء.
• الحاجيات: الملابس الزائدة عن الحاجة.
• التحسينيات: الحلويات وما يمكن الاستغناء عنه.
فالنفقة تكون للضروريات وبعض الحاجيات فقط.
ثامنًا: أوصيكم -كأبناء- بالقرب من والدكم، وبذل الجهد في بره وخدمته والتودد إليه؛ فكلما تقربتم منه، التفت إليكم ولبَّى حاجتكم.
تاسعًا: الجهل لا يُرفع إلا بالعلم، فإرسال مقاطع علمية لوالدكم قد يؤثر فيه فيعتدل في النفقة.
عاشرًا: لا يجوز لوالدتكم أن تطلب الطلاق لهذه الأسباب، ولا أن تمنع والدكم من حقه الشرعي؛ فهذا ليس حلًّا بل يزيد التعقيد، وما ستستفيده والدتكم من الطلاق قليل، وربما تندم بعد فوات الأوان.
حادي عشر: منع والدكم من حقه الشرعي قد يكون رادعًا، لكنه يبدو غير مؤثر، بل صار يضرب والدتكم، ظنًّا منه أن له ذلك، ولم يدرك أن: "المرأة لا يكرمها إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم".
ثاني عشر: على والدتكم أن تتأمل صفات الضعف الأخرى عند والدكم، وتنظر هل يمكن علاجها بمنع بعض الأمور المحببة إليه؟ فإن رأت أن ذلك يُجدي فلتفعل، وإلا فلتؤدي الحق الذي عليها وتسأل الله.
ثالث عشر: على والدتكم، وعليكم جميعًا، أن تتضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتتحروا أوقات الإجابة، خاصة أثناء السجود وفي الثلث الأخير من الليل، وتُلحّوا على الله أن يُلهم والدكم الصواب، وأحسنوا الظن بالله تعالى، ففي الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ؛ إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ».
رابع عشر: أكثروا من دعوة ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، فقد قال ﷺ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».
• خامس عشر: أكثروا من الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنزيل الكروب، ومغفرة الذنوب، وجلب القوة الحسية والمعنوية للأبدان، فقد قال نوح -عليه السلام- لقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارًا﴾، وقال هود -عليه السلام- لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ﴾.
وقال ﷺ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ كُلِّ غَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (رواه ابن ماجه وأبي داود).
وقال ﷺ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ حين سأله: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فقال ﷺ: «مَا شِئْتَ». قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
نسأل الله تعالى أن يصلح والدكم، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يؤلِّف بين قلوبكم.