أصبح الجوال مصدراً للآثام، فهل أبيعه؟

2025-08-26 04:27:41 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي هاتف، وأفعل به المعاصي، أغلب المعاصي التي أفعلها تكون منه، حتى أصبحت مشاهدة الأفلام الساقطة أمرًا بدائيًا جدًا (أفعل به أسوأ مما تتوقع)، لم تؤثر فيّ مواعظ الخشية من الله، وهذا تأثير السنين.

باختصار: هل يجب عليّ بيعه بغض النظر عن فوائده؟ هل يجب عليّ بيعه بأسرع ما يمكن كنوع من المسارعة في المغفرة؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فاروق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكَ -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يتوب عليكَ، وأن يُلهمكَ الرُّشد، فقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال لحُصين: «أسلِمْ حتى أُعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بها»، لمَّا أسلم علَّمه النبي ﷺ أن يقول: «اللهم ألهمني رُشدي، وقِني شرَّ نفسي»، فنسأل الله أن يقينا وإيّاك شرور أنفسنا.

وهذا الذي تعيشه -أيها الحبيب- هو مظهرٌ من مظاهر شرور النفس، وأثرُها السيّئ عليكَ، وأنها تُؤذيك قبل أن تُؤذي الآخرين، وأن شرَّها يصل إليك قبل أن يصل إلى الآخرين.

فجاهد نفسك في مرضاة الله تعالى، واعزم النيّة بالصدق، واستعن بالله، وسيُعينك الله، ويُخفف الله تعالى عنك ألم هذه المجاهدة، وإذا علِم الله تعالى منك صدق النية في طلب مرضاته، فسيخفف ويسهَّل لكَ سُبُل رضوانه -سبحانه وتعالى- فاستعن بالله ولا تَعجز، هذه هي وصيّة الرسول ﷺ، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ».

فهذه الأمور الثلاثة إذا حصَلت للإنسان فُتحت له أبواب السعادة: الحرص على الشيء النافع، والاستعانة بالله، وترك العجز، ولا شك أن الذي تفعله شيءٌ ضارٌّ وليس بنافع، وأنه يضرّك في دنياك وفي آخرتك، فليس من العقل ولا من الإيمان أن يبقى الإنسان أسيرًا لهذا الوضع الذي يجني فيه السيئات والذنوب، ويقترف فيه الآثام التي تُورِدُه المهالك.

فارحم نفسكَ وأنقذها، وخَلِّصْها من سخط الله تعالى؛ فإن غضب الله تعالى لا تقوم أمامه السماوات والأرض، فكيف يتصور أن تقف أنتَ أمامه أيها الإنسان الضعيف؟!

احرص على ما ينفعك، والذي ينفعك الآن هو التوبة، والذي يبعثكَ إلى هذه التوبة أن تُوقن وتُدرك تمام الإدراك بأن عواقب هذه الذنوب سيئة، وأنها ألم، فهي لذّة عابرة ولكنها تُولِّد وتُورث آلامًا دائمة، والعقل يقول: "لا خيرَ في لذّةٍ من بعدها النار، ولا خيرَ في لذّةٍ يسيرةٍ يعقبها ألمٌ شديد".

فحاوِر نفسكَ، وذكّرْها بهذه المعاني، وجاهِدها، واعلم أنها كالطفل إن تحاولْ صَرفه عن ملذّاته وشهواته فإنه سيصرخ ويبكي وقتًا يسيرًا، ولكنه يتعوّد ذلك:
و"النفس كالطفل إن تتركْه شبَّ على ** حبِّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم" هكذا قال الشاعر.

فاحرص على مجاهدة نفسك مستعينًا بالله، «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ».
- استعن بالله وخذ بالأسباب التي توصلك إلى أهدافك، ومن هذه الأسباب: الرِّفقة الصالحة والأصدقاء الطيبون.
- احرص على مجالسة الصالحين والتواصل معهم ما استطعتَ إلى ذلك سبيلًا؛ فقد أرشد النبي ﷺ في كثيرٍ من الأحاديث إلى اختيار الرُّفقة والأصحاب، فهم خيرُ من يُعينك على طاعة الله واجتناب مساخطه سبحانه وتعالى.

ومن أسباب التوبة -أيها الحبيب- التخلُّص من أسباب المعصية، ولا شك أن هذا الجهاز الذي في يدك قد أوقعك في كل هذه الذنوب والآثام، ومن السهل جدًّا تحصيل المنافع المرجوّة منه دون الوقوع في هذه الأضرار والمفاسد.

فتخلّص من هذا الجهاز، واستبدله بجهازٍ تواصل عادي، لا تظهر فيه هذه المنكرات، ولا يتّصل بشبكة الإنترنت، واجعل من هذه المرحلة مرحلةً مؤقتةً إلى أن تفطم نفسك عن تعاطي هذا المنكر العظيم.

فإذا يسَّر الله تعالى لكَ هذا، وتخلَّصتَ من هذه العادة القبيحة، فحينها يمكنك أن تعود إلى استعمال الجهاز بالشكل الذي ينفعك ولا يضرك.

نحن نشاركك النظر والفكر -أيها الحبيب- بأن السنوات التي مرّت عليك وأنتَ مدمنٌ على هذه العادة القبيحة قد أثَّرت فيك محبّةً ورغبةً في هذا السلوك، وصعوبة التخلّص منه صعبًا، ولكن نحن على ثقة بأن الله -سبحانه وتعالى- لن يُضيّع جهدك، ولن يخذلك إذا علِم منك صدق النية في التخلّص من هذا المنكر والرجوع إلى مرضاته -سبحانه وتعالى- فإنه قد وعد المجاهد لنفسه بالإعانة، فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

نعم، إذا لم تُقلِع عن هذه الذنوب إلَّا ببيع هذا الجهاز، فبيعُه واجب، يجب عليك أن تبيعه وأن تتخلص منه؛ لتنجو بنفسك من عذاب الله تعالى، وتتخلّص من الوقوع في معصيته.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

www.islamweb.net