أبحث عن نصيحة صادقة تعينني على الثبات والصبر.
2025-09-03 00:22:07 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أعيش منذ أكثر من سنة في بلاء عظيم، فقدت عملي وأنا في بلد أوروبي، ولا أجد حلاً لمشكلتي.
لم أتمكن من العثور على وظيفة، والعودة إلى بلدي أصبحت شبه مستحيلة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة هناك، وأطفالي في المدرسة، وضغوط الحياة النفسية والمادية تزداد عليّ يومًا بعد يوم، حتى إنها أرهقتني وأنهكتني.
ألجأ إلى الله بالدعاء يوميًا، ولا أنقطع عن الاستغفار، والصلاة، والصدقة، والقيام بالليل، وأحرص على أوقات استجابة الدعاء في رمضان، ويوم عرفة، ويوم الجمعة، وقبل الفجر، ومع ذلك، وبحكمة لا يعلمها إلا الله لم يأت الفرج بعد.
أنا راضٍ بقضاء الله وقدره، وأحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، لكني غارق في القهر، والهم، والحزن، ولم أشهد في حياتي ابتلاءً أشد من هذا، والوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حتى صرت أخاف على نفسي من الانهيار أو الجنون.
أصبحت حبيس مكان واحد، أكره منصات البحث عن العمل لكثرة ما قدمت من طلبات لم تُقبل، وغالبًا لأسباب تافهة.
وصل بي الحال –وأستغفر الله– إلى أن يراودني الشك أحيانًا هل يسمعني الله؟ هل يراني؟ أشعر بوحدة قاتلة، ولا مؤنس لي إلا الصلاة والقرآن، وخاصةً بعد أن تخلى عني معظم من كنت أعدّهم أصدقاء وأقارب.
أبحث عن نصيحة صادقة لوجه الله تعينني على الثبات والصبر، وتدلني على الطريق الصحيح للخروج من هذا الضيق.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو جوري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله وحده:
كن على يقين أن الله هو الرزاق المتكفل بأرزاق خلقه مسلمهم وكافرهم، وأن الإنسان لا يدري أين يكون رزقه؟ ومتى؟ وكيف؟ وما عليه إلا أن يعمل بالأسباب.
وقد يبتلي الله العبد بعض الزمن؛ ليعلم صبره، ومدى يقينه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾، وقال: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
الرزق مقسوم، والقدر معلوم عند الله تعالى، ولا يستطيع أحد أن يغير ما قدره الله، ولكن سبحانه يجري الأرزاق على عباده بحسب ما وضع من أسباب، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، وقال: ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
اعلم أن الأخذ بأسباب الرزق لا يتنافى مع كونه مقدرًا من الله؛ فمريم -عليها السلام- أُمرت بهز جذع النخلة، فقال تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾، وعلى المسلم أن يتقي الله، ويجتهد في طلب الحلال، ويبتعد عن الحرام؛ فالرزق مقدر بحكمة الله وعلمه، وفي الحديث: «إن روح القدس نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فأجملوا في الطلب، فإن رزق الله لا يُنال بالمعصية».
وتقوى الله من أعظم أسباب جلب الرزق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.
ومن حكم الله أن ينزل الأرزاق بقدر؛ حتى لا يطغى الناس، قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾، قال ابن كثير: "يرزقهم ما فيه صلاحهم، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء".
واحذر من الذنوب والمعاصي؛ فإنها من أسباب الحرمان من الرزق، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وفي الحديث: «وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه».
ومن أسباب زيادة الرزق:
• صلة الرحم: قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه».
• الاستغفار: قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾.
• الصدقة: قال تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم، أنفق أُنفق عليك»، وذكر ابن القيم أن الصدقة: "تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء، وتجلب الرزق، وتفرح القلب، وتحبب العبد إلى الله والخلق..." إلخ.
• الصلاة على النبي ﷺ: فقد قال لمن سأله: "أجعل لك صلاتي كلها؟"، قال: «إذن تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك»، ومن أعظم الهموم همّ الرزق.
واعلم أن البلاء الذي ينزل بالمؤمن من مرض، أو ضيق رزق تكفير للذنوب، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه».
ومن الوسائل أيضًا: الدعاء باسم الله الأعظم، والإكثار من تلاوة القرآن، والرضا بالقضاء، والاستقامة على الدين، والهجرة في سبيل الله لطلب الرزق، والسعي في مناكب الأرض.
وإياك والوساوس الشيطانية، واستعذ بالله منها؛ فإن الله يسمع دعاءك، ويراك، واعلم أن الدعاء له ثلاث مراتب: إما أن يُستجاب عاجلًا، أو يُدّخر لصاحبه في الآخرة، أو يُصرف عنه من السوء مثله.
نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويصلح حالك، ويرزقك من حيث لا تحتسب.