كيف أتجاوز مشاكلي مع أهلي، وأستعيد علاقتي بربي؟
2025-09-02 02:17:41 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمري 17 عامًا، وأعيش في خلافات مستمرة مع أهلي، إضافة إلى مشاكل في الحياة والعمل ونحو ذلك، وتعرضت لضغط نفسي شديد جدًا لمدة عامين، وكنت أتحمّل كل ذلك بصمت؛ لأني لا أرغب في تحميل أحد تعبي أو مشاكلي.
فكرت في الانتحار أكثر من مرة، وحاولتُ إقناع نفسي بأن المشاكل ستُحل، وكان الذي يمنعني هو أن الانتحار حرام، وأنه من أكبر الكبائر، ولكن لو ضعفت فعلًا وانتحرت، هل سأخلد في النار؟ وإذا لم أخلد، فهل من الممكن أن يرحمني ربي ويغفر لي برحمته، نظرًا للمشاكل الدنيوية والصعوبات التي أعاني منها؟
مع العلم أنني في كامل قواي العقلية، لكنني أمر بفترات صعبة وشديدة جدًا، وعلاقتي بربي ليست أفضل ما يمكن، لكنها في نفس الوقت ليست سيئة، ومعاملتي حسنة وطيبة، وأحاول أن أحافظ على صلاتي وذكر الله.
شكرًا مقدمًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سيف الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وبعد:
أولًا: نتفهم حديثك وألمك، فما ذكرتَه من همّ وضيق وضغط نفسي أمرٌ متفهم وطبيعي، فقد قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، أي في مشقة وعناء، فالحياة الدنيا لا تخلو من ابتلاء، والمؤمن يتقلب بين صبرٍ على البلاء، وشكرٍ على النعم.
ثانيًا: لا أحد خالٍ من الابتلاء، فالابتلاء سنة ماضية في خلق الله، وكل إنسان يظن أن بلاءه أعظم من بلاء الآخرين، ولو نظر إلى من دونه لعلم أنه في عافية.
أنت مثلًا في السابعة عشرة من عمرك، وقد ضاق صدرك من مشاكلك، ونحن نعلم شابًا في مثل عمرك أو أصغر قليلًا مريضًا بالكلى، يقضي ثلاثة أيام كل أسبوع في معاناة وألم الغسيل، وأيامه الأخرى يعاني من أثر الغسيل وانتظاره، فحياته كلها ألم، ومع ذلك إذا قارن نفسه بمن لا يجد وسيلة لغسيل كليته، علم أنه في نعمة.
أخي: لقد قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه"، فالابتلاء أمر مقصود، حتى يتبين الصادق من الكاذب في إيمانه بالله.
ثالثًا: إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، والابتلاء علامة محبة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [رواه الترمذي].
رابعًا: حكم الانتحار: الانتحار من كبائر الذنوب، وقد توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- المنتحر بأشد العقوبة، فقال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا"، وخالدا مخلدًا تجيب على سؤالك فانتبه، ثم هل يعقل أن يفرّ المرء من همٍّ ساعة إلى عذاب دائم؟ وهل من الحكمة أن يهرب من ضيق الدنيا المحدود إلى عذاب الآخرة المخلّد؟ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ثم قال بعدها: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
خامسًا: خطوات عملية للتغلب على الابتلاء:
- حدّد مشكلتك بدقة، ولا تسمح للشيطان أن يضخمها لك، ثم قسمها إلى قسمين:
الأول: ما لا يصلح تغييره فتعايش معه.
الثاني: وما يصلح معالجته فابدأ به.
- المحافظة على الصلاة، فهي أول ما يثبت القلب، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45].
- الإكثار من الدعاء والذكر، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بما هو خير لكم من العملة والذهب؟ ذكر الله" [رواه الترمذي].
- الصوم، خاصةً للشباب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" [رواه البخاري ومسلم].
- التفريغ النفسي: تحدّث مع من تثق به من أهل الحكمة أو مع مختص أمين، ولا تكبت همك في صدرك.
- النظر إلى نعم الله: فإن نظر العبد إلى من هو أشد منه بلاءً حمد الله على عافيته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" [رواه مسلم].
- الصحبة الصالحة: اجلس مع من يذكرك بالله ويعينك على الصبر.
وأخيرًا: الابتلاء قدر محتوم، لكن المؤمن مأمور بالصبر والرضا، والانتحار كبيرة مهلكة توعد الله صاحبها بالنار، فلا تجعل الشيطان يزيّن لك هذا الطريق، واعلم أن الله قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
نسأل الله أن يحفظك، والله الموفق.