وساوس في الطهارة والنجاسة أرهقتني كثيرًا، فكيف أتخلص منها؟
2025-10-09 02:53:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُصبتُ بالوسواس القهري منذ سنة، وكنت أُعالج بالأدوية، وقد تحسنت حالتي، لكنني توقفت عن العلاج بسبب ارتفاع سعر الدواء، والآن أُعاني من وساوس لم تزل معي في باب الطهارة:
- بعد تنظيف النجاسة، أشك أنني لم أُطهرها جيدًا، أو أنني لم أُطهر جزءًا معينًا، فهل يجوز أن أقول إنني أثناء التنظيف كنت أعتقد أنني أزلتُ النجاسة، وبالتالي بعد الانتهاء لا يُضيرني هذا الوسواس، فأحكم بأن المكان قد أصبح طاهرًا؟
- وكذلك أثناء التنظيف أو الاستحمام، يأتيني وسواس بأنني لم أُنظف، فأُضطر إلى أن أُعيد، وعندما يأتيني هذا الوسواس لا أتذكر شيئًا البتة، وكأن ذاكرتي مُحيت مؤقتًا.
- بعد قضاء الحاجة، أستحم في كل مرة، بسبب ارتداد ماء المرحاض إلى جسمي، وأحيانًا لا أدري هل أتوهم ذلك أم لا، وحتى إذا كان ذلك حقيقة أشعر أن الغسل وأنا جالس لا يكفي، فأقوم وأستحم.
- عند التبول واقفًا، أشعر كأن شيئًا أصاب فخذي، فأقع في حيرة هل هذا بول أم وسواس؟ ويصعب التحقق من ذلك.
- إذا أصاب البول المرحاض يأتيني وسواس وشعور بأنه ارتدَّ إلى فخذي، وأيضًا لا أدري هل أتوهم ذلك أم لا، ويصعب التحقق!
- وعند التبول وأنا جالس، يأتيني وسواس بأن الذَّكَر لمس فخذي، فأُضطر إلى غسل الفخذ ثم أستحم، وهكذا الحال على هذا المنوال.
هذه الوساوس أتعبتني حتى صرت أظن أن الإسلام كُلُّه طهارة ونجاسة! فبماذا تنصحني بالتفصيل لكل نقطة؟ لأنها تتكرر كثيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب.
أخي: واضح أنه لديك وساوس أفكار، ووساوس أفعال، في جُلّها تتمركز حول الطهارة.
أيها الفاضل الكريم: هذا النوع من الوسواس موجود، ويصيب عددًا من الناس، و-إن شاء الله- هو ليس وسواسًا مُطبقًا ودائمًا، إن شاء الله ينقشع ويذهب ويتفكك، فقط المطلوب منك التجاهل، وألّا تنصاع للوسواس أبدًا، وأن تُصرّ على ما هو صحيح في الدين.
نعم، الوسواس سيستحوذ عليك، وستأتيك اجترارات كثيرة جدًّا تحثّك على أن تتبع الوسواس، لكن أريدك أن تُقاوم، أن تتجاهل، ويجب ألّا تُحلّل الوساوس -أيها الفاضل- هذه هي الطريقة الصحيحة.
وأرجو أن تُحدّد كمية الماء، مثلًا: عند الوضوء وعند الاستنجاء، ولا تُسرف في هذا الأمر، وهنالك أشياء بسيطة أيضًا يمكنك التخلص منها كالتبول واقفًا، وسوف يفيدك الشيخ -إن شاء الله- الدكتور/ أحمد سعيد الفودعي في هذا الأمر.
فأنا أدعوك لتحقير الوساوس وعدم اتباعها، وأبشّرك أن الأدوية هي علاج أساسي، ومن الواضح أنك قد استفدت منها فيما مضى، ويجب أن ترجع إليها.
بالنسبة لسعر الأدوية؛ سعر الأدوية انخفض كثيرًا، خاصة أنه توجد مركّبات تجارية، وهذه المركّبات التجارية فعّالة، وهي قريبة جدًّا من المنتجات الأصلية التي أنتجتها الشركة المبتكرة للدواء.
مثلًا العقار (فلوكسيتين Fluoxetine) -وهذا هو اسمه العلمي، ويُسمّى بروزاك- دواء مشهور جدًّا لعلاج الوسواس، وهذا الدواء في الأصل أنتجته شركة أمريكية تُسمّى (إيلي ليلي Eli Lilly)، وقد أسمته باسم (بروزاك -Prozac)، فأصبحت هي صاحبة الاحتكار لهذا الاسم التجاري، لكن بعد ذلك تمّ تصنيع الدواء بواسطة شركات كثيرة جدًّا.
وأنا متأكد أنّ في بلادكم توجد منتجات تجارية، وبأسعار ليست باهظة، فأرجو أن تبحث عن الدواء، وقل للصيدلي أنك تريد الدواء التجاري وليس الأصلي، وهذا يكفي تمامًا، وطبعًا توجد رقابة على هذه الأدوية من الجهات الرسمية.
عقار فلوكسيتين هو الأفضل، نعم، تبدأ في تناوله جرعة: كبسولة واحدة (أي 20 ملغ) يوميًّا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها كبسولتين يوميًّا، وبعد شهر اجعلها ثلاث كبسولات، وهذا يعني (60 ملغ)، وهذه جرعة علاجية صحيحة جدًّا وكافية جدًّا.
يجب أن تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفّضها إلى كبسولتين يوميًّا لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة يوميًّا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقّف عن تناول هذا الدواء، الدواء سليم ولا يسبب الإدمان، و-إن شاء الله تعالى- تكون قيمته وتكلفته المالية ليست بالكثيرة.
بجانب تجاهل الوساوس وتحقيرها وعدم اتباعها وتناول الدواء، أريدك أيضًا أن تتخلص من الفراغ، أن تشغل نفسك بما هو مفيد، وأن تمارس الرياضة، وأن تتجنب السهر، وتجتهد في دراستك، هذه كلها تساعد على تقلّص الوساوس؛ لأن الوساوس أيضًا تستغل الناس من خلال الفراغ.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد سعيد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
________________________________
مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بالعافية من هذه الوساوس، ويصرف عنك شرّها.
نحن نتفهّم مدى المعاناة التي تعيشها -أيها الحبيب- بسبب هذه الوساوس، ولكن نؤكّد لك -أيها الكريم- أنك بإذن الله تعالى تقدر على التغلّب عليها والتخلّص منها؛ إذا أنت جاهدت نفسك، وصبرت على العمل بالتوجيهات الشرعية المطلوبة منك، مع الأخذ بأسباب التداوي بالدواء الحسّي، وما يصفه لك الأطباء؛ ممّا يعيد الجسم إلى اتزانه واعتداله، فنسأل الله تعالى أن يُيَسّر لك ذلك، وأن يمنّ عليك بعاجل العافية.
أمّا التوجيه الشرعي -أيها الحبيب-؛ فهو أن تُدرك تمام الإدراك، وتتيقّن يقينًا جازمًا أن الله -سبحانه وتعالى- خفّف عن الإنسان المبتلى بالوسوسة؛ لأن الوسوسة نوع من أنواع الأمراض، والله تعالى رخّص للمريض بما لم يُرخّص به للإنسان الصحيح، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره لعباده، فينبغي أن تكون مُوقنًا عند أخذك برخصة الله تعالى، أنّ هذا هو الذي يحبّه الله ويرضاه منك، ويأمرك به.
ومن ترخيص الله تعالى لمن أُصيب بالوسوسة؛ أنه شرع له ألّا يلتفت إلى الوسواس أو الشك، ولهذا يقول العلماء: "والشك بعد الفعل لا يؤثر، وهكذا إذا الشكوك تكثر"، فمن كثرت منه الشكوك فإنه لا يُبالي بها، سواء جاءته أثناء العبادة أو بعد العبادة؛ لأن الله تعالى لا يحبّ منه اتباع خطوات الشيطان، فإن الشيطان يحاول أن يُثقّل هذه العبادة على الإنسان المسلم، ويحاول أن يُبغّضها إليه، فيجعله ينفر منها ومن ثِقلها عليه.
فهذا مسلك لا يحبّه الله تعالى ولا يرضاه، بل الله تعالى شرع شريعته سهلة سمحة، وقال في آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فالله تعالى لا يريد أن يوقعنا في ضيق وحرج ومشقّة، ومن مظاهر هذا التيسير ورفع الحرج التيسير في شأن الإنسان الموسوس.
فسؤالك الأول جوابه: أنه مطلوب منك أن تُعرض تمامًا عن هذه الشكوك والأوهام والوساوس التي تأتيك في العبادة، وأنك لم تنظّف جيدًا، أو نظّفت جزءًا وتركت جزءًا، لا تلتفت إلى هذا كله، واعتبر نفسك قد قمت بالطهارة المطلوبة كاملة، ولا تدع مجالًا للشيطان ليخوّفك ويرهبك من أنك قصّرت في العبادة، وأنك لا تُبالي بالدين، وأنك لا تبالي بشرط الطهارة، فهذه كلها حِيَل شيطانية، يريد من خلالها أن يجرّك إلى الاشتغال بالوساوس، ولكنه يأتيك من جهة الدِّين، والله لا يحبّ منك أن تستجيب لهذا الوسواس.
اعتبر نفسك أنك أديت العبادة وانتهيت، والله تعالى يقبل منك هذه العبادة كيفما كانت؛ لأن هذا هو الذي تقدر عليه، ومن باب أولى إذا جاءتك الشكوك والوساوس بعد العبادة وبعد قضاء الحاجة.
وسؤالك الثاني: كذلك، لا تلتفت إلى هذا الوسواس الذي يأتيك بأنه قد ارتدّ ماء المرحاض إلى جسمك، فهذه الشكوك لا يصحّ أبدًا أن تبني عليها أحكامًا، فلا تستحمّ لهذا الدافع، ولا تلتفت إلى هذا الوسواس، وكن على ثقة من أنك إذا صبرت على العمل بهذا التوجيه؛ فإنك ستتغلّب على هذه الوساوس قريبًا بإذن الله تعالى.
وإذًا بهذا تُدرك إدراكًا تامًّا أنه لا ينبغي لك أبدًا أن تشتغل بتطهير بدنك، أو بتطهير ثوبك -سواء باغتسال كلي للجسم أو بغسل بعض الجسم- تحت تأثير هذه الشكوك، وأنه ربما قد أصابته نجاسة، لا تفعل ذلك، فإن الله تعالى يقبل منك العبادة.
ولو فرضنا -على سبيل الفرض والتسليم لك- أنه يوجد شيء من النجاسة وصليتَ وهو موجود، لو فُرض هذا كله، فإن الله تعالى يقبل منك هذه الصلاة ويحبّها منك، بينما يغضب إذا ذهبت إلى العمل بالوساوس والاستجابة لها، وقد حذّرنا الله تعالى من خطوات الشيطان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
وإذا عملت بهذه التوجيهات سيتبيّن لك -أيها الحبيب- أن الإسلام دين سهل، دين يسير، وأن الله تعالى شرع شريعته سهلة سمحة، راعى فيها، ويسّر فيها على الإنسان المعذور، وخفّف فيها عن المريض بما يتناسب مع حاله.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وتقبل منك عبادتك.