خطبني شاب متدين ولكني لا أشعر تجاهه بشيء، أرجو المشورة.
2025-10-13 23:59:56 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مسألة تؤرقني، وأرجو أن يتسع صدركم لها.
تقدّم لي شخص يُحسب على الدين والخلق، وهو من نفس مجالي، ويقول إنه مستعد لدعمي في مسيرتي التخصصية، ويترك لي حرية الاختيار بين العمل أو البقاء في المنزل، أفكارنا التربوية والمستقبلية متشابهة إلى حد كبير.
الزواج منه سينقلني إلى قارة أخرى، بعيدًا عن أهلي ودائرتي الداعمة، ولا أخفي عليكم أنني أعلم من نفسي عدم القدرة على تحمل أعباء الحياة بمفردي.
من خلال السؤال عنه، بدا لنا أنه شخص خلوق ومجتهد في عمله، وعندما أنظر للأمر بعقلانية، أجد فيه صفات لا يُرد صاحبها: طبيب، متدين، حافظ للقرآن، خلوق، متفهم، كريم، ويرى فيّ ما لا أراه في نفسي، كان هناك قبول مبدئي، وبعده بدأت فترة الخطبة.
لكن خلال هذه الفترة، لم أشعر بأي مشاعر تجاهه، وأشعر وكأنه يريد الزواج ليجد من يخدمه ويرعاه، وهذه الفكرة لا أطيقها، لا أعلم إن رفضته، هل سأجد شخصًا أحبه بنفس هذه المواصفات أم لا؟! فذلك في علم الغيب.
تعبت من التفكير، وأفكر أحيانًا أن أتزوج دون أن أحسبها كثيرًا، وإن لم يحصل توافق، أنسحب، فلن أخسر شيئًا، خصوصًا أنه يريد الإنجاب، وهو مناسب لي من ناحية إكمال التخصص؛ لأنه لا يوجد من يساعدني في البلد الذي يعيش فيه.
وبصراحة، هو إنسان ممتاز، لكنني لا أشعر برجولته، ولا أشعر أنه يجيد تدبير الأمور، ولا أثق برأيه وحكمته! بشكل عام: لا أعرف إن كنت مرتاحة لإتمام هذا الأمر، أم لا، والآن يخططون لعقد القِران، وأنا ما زلت غير مقتنعة تمامًا به، أستخير كل يوم، وما زلت غير متأكدة.
كيف أوازن بين عقلي وقلبي؟ أنا في العادة أرجّح العقل في قراراتي، لكن في هذا القرار أجد أن القلب لا يقل أهمية عن العقل، كيف أتأكد أن هذه الحياة ستناسبني؟ حياتي فيها الكثير من المتغيرات، وبدأت أفكر أنني غير مناسبة للزواج أصلًا، وأن الله خلقني لأخدم المجتمع بطريقة مختلفة، هذه الفكرة تُشعرني بالحزن؛ لأنني لا أستطيع أن أعيش وحيدة، وفي الوقت نفسه لا أريد زواجًا يُشعرني بالوحدة أكثر من الأُنس.
أرجوكم، أشيروا عليّ في كيفية اتخاذ هذا القرار، فأنا في حيرة من أمري.
فرّج الله همومكم، وجزاكم كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غيداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال، ونُبشرك بأننا لن نضيق صدرًا بأسئلة بناتنا وأبنائنا، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُقدِّر لك الخير ثم يرضيك به.
وأحسنت في عرض المسألة، وفي الثناء على هذا الشاب الطبيب صاحب الأخلاق، الذي وجدت توافقًا كاملًا بينك وبينه في الأفكار، وارتياحًا في البدايات، وهذه قاعدة كبرى نؤسس عليها؛ لأن العبرة بالانطباع الأول، و«الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
أمَّا ما جاء بعد ذلك من تغيُّرات في الأفكار، فهذا طبيعي؛ لأن العاطفة تتأخر ويتقدم العقل ليسأل: أين؟ وكيف؟ وهل سنسعد؟ وهل سننجح؟ وهذا أمر طبيعي جدًّا، هذا ما يحدث من هذه الأمور الطبيعية، ونحن نريد أن نقول: إذا وُجد الدِّين ووُجد التوافق، ووُجد الانسجام، فلا يضرُّ بعد ذلك من مشاعر تأتي، وتبقى الأمور بعد ذلك من السهولة بمكان، وكما قال الشاعر:
وكل كَسْرٍ فَإِنَّ الدِّين يَجبره *** وَمَا لِكَسْرِ قَنَاة الدِّيِن جُبْران
والشاب المذكور فيه صفات عالية وغالية جدًّا، والحياة الجديدة التي تقبل عليها الفتاة لا بد أن يصحبها شيء من المخاوف؛ لأنها ستفارق أهلها، وستُغيّر بيئتها، وستُصبح مسؤولة عن إنسان، وهو بالنسبة له ستتغيّر الأمور، فقد كان وحده، والآن عنده امرأة يُسأل عنها، وبالتالي ستأتي مناسبات وتتبعها تساؤلات: يا ترى هل سننجح؟ هذه أشياء طبيعية تمامًا.
ولذلك بعد الارتباط والتلهف الأول يتقدم العقل، وتقدُّم العقل صحيح؛ لأن العقل هو الذي يرتب الأمور ويضع به الإنسان النقاط على الحروف، لكن لا بد أن نصطحب أمورًا أساسية، منها:
1. لا يمكن للفتاة أن تسعد إلَّا مع رجل، ولا يمكن للرجل أن يسعد إلَّا مع فتاة، وهتاف الأبوة والأمومة هتاف يملأ النفوس، فلا تضيعي الوقت، ولا تفرطي في الفرصة.
2. الحياة ليست سهلة في كل مكان؛ ولذلك لا بد أن يكون الإنسان واقعيًا في تعامله مع الحياة؛ فالحياة فيها فرص، وفيها كذلك صعوبات، فقد:
جُبِلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا *** صَفْوًا مِنَ الأَقْذَاءِ وَالْأَكَدَارِ
وَمُكَلِّفُ الْأَيْامِ فَوْقَ طِبَاعِهَا *** مُتَطَلِّبُ فِي الْمَاءِ جَذْوَةِ نَارِ.
3. تحديد النية والأهداف من وراء ذلك هو الذي يعينكم على النجاح؛ فالذي يريد الأطفال ويريد الحياة الحلال، فالحياة الزوجية فيها بالحلال، هذا لا بد أن يُقدِّم، ولابد أن يبذل ويُضحي ويُقدِّم التنازلات، وكما يقال: "ولا بد دون الشَّهْدِ مِنْ إِبرِ النَّحْلِ".
4. البعد عن الأهل أمر طبيعي؛ فالأسر تتكون، ثم تتفرع وتتفرّق، ثم تتكون أسر جديدة، ثم نكوّن علاقات جديدة، وتبدأ حياة جديدة، هذه طبيعة هذه الدنيا، والإنسان يستفيد في حِلِّه وترحاله (في سفره)، وفي زواجه، وفي حياته الجديدة.
5. الأسرة، والفتاة، و(والديها): -أنا أتكلم وأحدثكم بلسان والد، فأنت في مقام بناتي وأخواتي -نحن الآباء والأمهات نسعد بسعادة البنت السعيدة مع زوجها، حتى لو كانت بعيدة عن والديْها رغم اشتياقهم لها، فالمهم أن تسعد هي في حياتها، وهذا يسعدهم، وهم ينتظرون الأحفاد، وينتظرون أن تكون ابنتهم هذه سعيدة مطمئنة، حتى لو كانت بعيدة منهم.
هذه النقاط لابد من اصطحابها، ونحن نميل إلى عدم تفويت هذه الفرصة.
أمَّا ما ذكرت من شعورك أحيانًا بأن فيه نقص أو عيب، فهذا طبيعي؛ فالفتاة لن تجد شابًا بلا عيوب، والشاب لن يجد فتاة بلا نقائص؛ ولذلك كان المعيار النبوي: «لا يَفْرِكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلقًا رَضِي مِنْهَا آخَر»، وكذلك أيضًا: "إِنْ كَرِهَتْ مِنُهُ خُلُقًا تَرْضَ مِنْهُ آخَر"، وكما قال الشاعر:
مَنِ الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا *** كَفَى بِالْمَرْءِ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايبهُ.
ما يحصل عندك من انزعاج أمر طبيعي، وكل هذا سيزول بعد الزواج، وتعرفي لذة الحياة الزوجية والسعادة التي فيها، وباكتمال هذا الجانب الفطري في الإنسان، ستتغير كثيرًا من الأمور.
ولذلك أرجو ألا تضيعي هذه الفرصة، واعلمي أن هذا الرجل سيستفيد منك وتستفيدين منه، وتتعاونوا على الخير، وأنتم أيضًا في تخصص واحد، وهذا أيضًا ممَّا يعزز ويساعد على زيادة فرص الوفاق؛ لأن الاهتمامات مشتركة، والقواسم المشتركة أيضًا متقاربة (الاهتمامات وكل شيء)، وهذا ممَّا يُقرِّب بين الزوجين.
نسأل الله أن يُعينك على الخير، ولا نؤيد فكرة (أن تتزوجي للتجربة)، لا، تزوجي لتستقري وتسعدي، وضعي هذا الأمل أمامك، وكوني واثقة أنك -بإذن الله تبارك وتعالى- ستؤسسين بيتًا وحياة طيبة.
واذكري له مخاوفك، وكلّميه، وحاوريه في مثل هذه الأمور؛ ولأن الحوار أساس النجاح، وهذه في الأصل فائدة الخِطبة: أن يتناقش الإنسان، وأن ينظر في هذه الأبعاد المستقبلية، ونحن ننتظر أيضًا إن كان لديك مزيدًا من الاستفسارات، ويمكنكم تقديم استشارة مشتركة، ويمكن أن تطلبوا حجبها إن رغبتم في ذلك.
لكن الآن ندعوك إلى ألَّا تُضيعي هذه الفرصة، واطردي هذا التردد، واعلمي أن الشيطان لا يريد لنا الخير؛ فإن الحب من الرحمن، وإن البُغض من الشيطان، يريد أن يُبغِّض إليكم ما أحلَّ الله لكم، فَلْنُعَاند عدوُّنا الشيطان، ونسعى في إكمال هذا المشروع الحلال، ونسأل الله أن يجمع بينكم في الخير وعلى الخير.
والله الموفق.