دخلت في حالة من التمرد بسبب صعوبات حياتي.. انصحوني
2025-10-16 01:32:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أمر بحالة تمرد لم أمر بها من قبل، خصوصًا وأني بلا دخل، ولا شهادة أتقدم بها لأي وظيفة، والوضع الاقتصادي صعب جدًا؛ فلو عملت في وظيفتين فإن المرتب لن يكفي الأولاد، ولا نفسي، ووضعي الصحي متأثر جدًا بالحالة التي أنا فيها.
أخاف على نفسي من غضب الله، ومن عقابه، ولكن عندي حالة رهيبة من التكاسل عن الصلاة، والتمرد على أي مسؤوليات، حتى العبادات، وحتى مجموعة حفظ القرآن خرجت منها تمردًا على معلمة الحفظ والمراجعة، والتثبيت والمتابعة.
حتى ولديّ دخلت في حالة تمرد على مسؤولياتهما، ولا أقوم بها إلا في أضيق الحدود، حتى أهلي لا أبرهم، وداخلة في حالة اكتئاب شديدة، وليس معي قدرة مادية لكي أذهب لطبيب نفسي.
أنا منتقبة، وتزوجت مرتين، في المرة الأولى أنجبت ولدين، وانفصلت عن والدهما بعد معاناة، وبقي الولدان معي، ولا يوجد أحن منهما علي، وأنا متعلقة بهما جدًا، لكن مسؤوليتهما صعبة جدًا جدًا، أحيانًا أبكي طوال الليل وحدي من شدة ما أمر به من عجز ووحدة في رحلة تربيتهما.
وأحيانًا أكون في مواقف صعبة لأنهما في سن المراهقة، ويمران بأشياء أعجز عن التصرف فيها، سواءً في المدرسة، أو في الشارع، ووالدهما حرفيًا رمى حملهما علي، ولا يسأل عنهما نهائيًا، ولا يتدخل في أي مشكلة تخصهما، ولا يتصل بهما، كأنهما يتيمان حرفيًا، كما أنه لا أحد من أهلي يسأل عني، فأنا وحيدة، تائهة في الحياة.
تزوجت مؤخرًا مرةً أخرى من رجل مقتدر، قال لي: ربي أولادك، وأنا سأساعدك في مصاريفهما، وكنت أنا الزوجةً الثانية، وهو من محافظة أخرى غير المحافظة التي أسكن فيها.
بعد أول شهرين من الزواج تفاجأت بشخص آخر، رغم أني والله لم أقصر معه، وقد أعطاني الله جمالاً، وجاذبيةً، وتواضعًا، وصفات كثيرة يتمناها أي رجل، ولكن بحكم المسافة البعيدة، وارتباطه بولديّ، حصل منه ظلم وبعد وهجر غير مبرر، وتزوج بأخرى، وزاد الظلم، والهجر، والبعد، وهو حاليًا ينوي أن يطلقني!
نفسي عزيزة، وأعرف قيمتها، ولم أعترض على قراره، لكني بدأت أعترض على الدنيا كلها، بما فيها العبادات، وأشعر بالضياع والتيه، والرغبة في الموت؛ فقد يخفف ذلك من وجعي، كما أشعر بالخذلان من زوجي، ومن الدنيا كلها، وأخاف على نفسي من غضب ربي، لكني أشعر بأني مكبلة؛ فقد يصل بي الحال أني أتوضأ، وأتهيأ للصلاة، وأستقبل القبلة، ولا أصلي، بداخلي عجز عن كل شيء، لا أعرف كيف أعالجه.
كتبت لكم وأنا ضائعة، فبماذا تنصحوني؟ وكيف أبدأ؟
دعواتكم لي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يعافيك، واسمحي لي أن أجيب من خلال ما يلي:
1. ابتلاء الله للصالحين هو رحمة بهم: اعلمي أن ما تمرين به هو ابتلاء مقصود لحكمة عظيمة، أراد الله به أن يطهّرك ويرفعك؛ فالله لا يبتلي ليؤذي، بل ليقرّب ويزكي، كما تُصفّى المعادن بالنار لتزداد نقاءً، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:(أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)، فالابتلاء عنوان الرفعة في الدنيا والآخرة.
ثم لو نظرت حولك لرأيت أن الله ما زال يغدق عليك من نعمه رغم الشدة:
• هناك نساء طريحات الفراش لا دواء لهن، يتمنين أن يصلين ركعةً واحدةً فلا يقدرن.
• ومن النساء من ليس لديها مأوى، ولا سند، وتنعس على الخوف والجوع.
• ومنهن من ابتليت بأولاد فيهم من الأمراض التي ليس لها علاج، وترى الألم في عيون أبنائها كل يوم.
أما أنت، فقد رزقك الله عافيةً تسجدين بها، ولسانًا يذكر، وقلبًا يخاف الله، وأولادًا أحياء يحيطون بك، فاحمدي الله أن بلاءك في التعب لا في الدين، وفي النفس لا في الإيمان، فالله يبتليك ليرقيك، وما من ألمٍ إلا وهو طريق إلى طهارةٍ أعظم، وقربٍ أعمق.
2. ما تمرين به مفهوم، وليس ذنبًا خالصًا، ما تشعرين به من تمرد على الصلاة والمسؤوليات ليس رفضًا للدين، بل تعب نفسي وروحي شديد؛ فعندما يتراكم الحزن، وينعدم السند، وتنغلق النفس عن كل واجب، لا يعد ذلك عصيانًا، بل إنهاك نفسي يتطلب الحكمة.
3. جذور التمرد في داخلك: التمرد الذي ينهشك الآن صرخة ألم متراكم من ظلم، وخذلان، ووحدة طويلة، وسنوات من الكفاح لتربية أولادك وحدك، ثم خيبة أمل في زواج ثان، ظننت أنه باب نجاة، فإذا به باب وجع آخر، ولكن عند النظر إلى الابتلاء، والأجر الذي يصاحبه فإن المرء يستطيع تجاوزه.
4. الاكتئاب ليس ضعفًا في الدين، وما تمرين به من ضيق وانسحاب من المسؤوليات هو أثر للاكتئاب، وليس علامة على ضعف الإيمان، فأمّلي في الله خيرًا.
5. طريق العودة إلى الله يكون بالرفق لا بالعنف؛ فلا تحاولي أن تكسري حاجز الفتور دفعةً واحدةً؛ فالقلب لا يُشفى بالأوامر.
ابدئي بخطوات بسيطة:
• صلي الفرض فقط، والنوافل المؤكدة في البداية؛ فالله يقبل القليل الصادق.
• واجهي المعاناة بالجهد والمثابرة والدعاء، واسجدي بين يديه وقولي: "يا رب، أنت تعلم عجزي، فقوّني".
• افتحي المصحف واقرئي ولو صفحةً واحدةً كل يوم، لا للحفظ بل للدواء.
6. نصائح عملية لتخفيف الحمل النفسي.
• لا تبقي وحيدةً تمامًا، بل حاولي التواصل مع نساء صالحات، أو مجموعات دعم طيبة؛ فالوحدة تُضاعف الألم.
• أشركي ولديك في بعض شؤون البيت، واشرحي لهما تعبك برفق.
• اكتبي كل ما يثقل قلبك على ورقة، ثم قولي: اللهم هذا حملي فأعني عليه.
7. الرجاء في الله لا يُطفأ، واعلمي أن الله لا ينسى دمعةً نزلت من خوفه، ولا تنهيدةً خرجت من قلب متعب، وما أنت فيه اليوم مرحلة من مراحل التهذيب الإلهي، وبعدها سيفتح الله لك باب طمأنينة لم تعرفي مثله، وستدركين يومًا أنك لم تهاني، بل رفعت، ولم تكسري، بل صنعت من جديد.
في الختام: طريقك إلى النور: فما يحدث لك ليس سقوطًا، بل تحول نحو حياة أصدق، ابتلاؤك مراد، وتمردك مفهوم، وصبرك مكتوب، فاصبري، وارفقي بنفسك، وكرّري دائمًا: "يا رب، اجبر كسري، واهد قلبي، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
نسأل الله أن يحفظك، ويرعاك، والله الموفق.