سرقت سابقاً وتبت، وأخشى الرجوع لهذه العادة السيئة

2025-10-26 01:06:09 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بعيدة عن ربي جدًا، لكنني أحب الله حبًا جمًّا، لقد مددتُ يدي إلى مال غيري، مع أنني كنت منذ المرحلة الابتدائية أرفض هذا الفعل، ومرت فترة طويلة لم أمدّ يدي أبدًا، وكان الأمر منتهيًا بالنسبة لي.

لكن مؤخرًا، عاد هذا الأمر وزاد عندي، وأصبحت أرغب في المال لأشتري ما أريده، أعود إلى الله وأتوب، ثم أرجع مرة أخرى، وأنا متأكدة أنه يقبل توبتي، لكن هذه المرة عاهدتُ ربي ونفسي أنها ستكون الأخيرة، والله يعلم صدقي، وإن شاء الله تكون آخر مرة.

أريد أن أفعل أي شيء يحفظني من الذنوب ويمنعني من الرجوع إليها، أريد أن أحفظ القرآن وأواظب عليه، ولا أريد أن أموت وأنا على معصية، وإن كنت لا أستطيع مصارحة من أخذت منهم المال، فماذا أفعل؟ فهذه حقوق عباد، وأخشى أن يُقتص مني يوم القيامة.

أنا خائفة جدًا من الله ومن النار، خائفة جدًا جدًا، والله إني أحب الله حبًا عظيمًا، وأتمنى أن يرزقني رؤيته عز وجل، ادعوا لي أن يسامحني الله ويغفر لي، فأنا مخلوق ضعيف أمام رحمته عز وجل.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عُلَا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليك.

أولًا، نحب أن نعزِّز ونقوِّي هذا الاتجاه الجميل لديك، الاتجاه نحو التوبة والرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- عن الذنوب، ومنها هذا الذنب الكبير، وهو أخذ مال الناس بغير حق، ولا يخفى عليك أن السرقة من كبائر الذنوب، وقد قال النبي الكريم ﷺ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»، واللَّعن يعني الطرد من رحمة الله تعالى، والله تعالى شرع عقوبةً شديدةً لمن يسرق أموال الناس، فقال سبحانه وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} مما يدلُّك على عِظَم الذنب وكِبَر الجريمة.

والآيات القرآنية كثيرة جدًّا في تحريم أكل مال الغير بغير حق، والأحاديث عن النبي ﷺ كثيرة جدًّا في تحريم مال المسلم بغير حق، ولهذا ينبغي أن تُعطي الأمر حقَّه من التأمُّل والتفكير، وأن تُدركي أنك تُمارسين ذنبًا كبيرًا وجريمةً عظيمة، وأن النفس إذا أطاعها الإنسان جَرَّته إلى ما لا تُحمَد عاقبتُه، وإذا جاهدها ومنعها من شهواتها وغَيِّها صَلُحتْ وارتدعت، وكما قال الشاعر:

والنفسُ كالطِّفلِ إنْ تَترُكْهُ شَبَّ على *** حُبِّ الرَّضاعِ، وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
فـاحـذَرْ هـواها، وحـاذِرْ أنْ تُـوَلِّـيَـهُ *** إنَّ الهوى إنْ تَوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
(أي: يُهلِكك أو يُوقعك في أشياء تُشينك وتُعيبك وتُقَبِّحك).

فلا بد من مجاهدة النفس والتعفُّف، وقد أخبرنا الرسول ﷺ بأن مَن يُجاهد نفسه ليتعفَّف عن الحرام فإن الله تعالى يتولَّى عونه، فقال ﷺ: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ» فاطلبِي الرزقَ الحلال، وحاولي أن تسعي في أسبابه، وسيأتيك رزقُك المقدَّر، فلا تَستبطئي رزقَك فتتجهي إلى الأساليب المحرَّمة، فما قدَّره الله تعالى من الرزق سيصل إليك بالطرق المباحة المشروعة، ابحثي عن الأعمال التي تناسب قدراتك وأوقاتك، ولو كسبتَ منها الشيءَ اليسير، فذلك خيرٌ لك في دينك ودنياك وآخرتك.

والعاقل ينبغي أن يتأمَّل جيدًا أنه لا ينبغي له الإقدام على لذّةٍ فانية مؤقتة، ثم ينتقل بعدها إلى نارٍ تَلَظّى، وكما يقول الحكماء: "لا خير في لذّةٍ من بعدها النار" واحذري من هذه الأماني التي تُمنّيك بها النفس، ويُحاول أن يَغُرَّك بها الشيطان: أنك تحبين الله تعالى، وأنك تريدين حفظ القرآن، وغير ذلك من الأماني، فهذه أماني جميلة وطموحات حسنة، نتمنى أن تسعي في تحقيقها، ولو جزءٍ يسيرٍ منها، لكن لا تدعي هذه الأماني تَغُرّك وتَخدعك، فتبقي مُصِرّة على ما أنت عليه من الجُرم والخطيئة، فإن الله تعالى يُحصي أعمالك، وستُحاسبين عن عملك، كما قال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وحقوق العباد شأنها عظيم.

وما قد حصل من قبل ينبغي أن تستُري على نفسك فيه، ولا تفضحي نفسك، فلا تُحدِّثي به أحدًا، ولكن احرصي على أداء حقوق العباد وردِّها، وإذا علِم الله تعالى منك الصدق والعزيمة على الردّ، فإنه سيُيسّر لك هذا الردّ، وإن لم يتيسّر لك ردّ هذه الحقوق في الدنيا، فلا تقطعي أملك في الله تعالى أنه سيتحمَّل عنك هذه الحقوق إذا تُبتَ إلى الله تعالى توبةً صادقة، وإذا قدرت على التحلّل من الناس في حقوقهم، وأن تطلبي منهم المسامحة عن حقوقهم، فهذا جزء من توبتك.

نسأل الله تعالى أن يغفر لك ويُيسّر أمرك، وأن يُوفّقك لكل خير.

www.islamweb.net