هل ما يدور في ذهني من إنكار المنكر صحيح أم وسواس؟
2025-10-27 01:29:03 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرغب في نصيحة حول كيفية برّ والدي، فكلما عزمت على ذلك، وجدت نفسي أعق أمي دون قصد.
كذلك، كثيرًا ما أتردد في الإنكار إذا سمعت شيئًا محرّمًا، كالموسيقى، رغم أن الموقف يكون مناسبًا للإنكار، أقول في نفسي: "هل أنكر أم لا؟" ثم لا أنكر، وأتوتر، وتزداد نبضات قلبي قبل خروجي من المنزل، أحيانًا أتخيل مواقف يجب فيها الإنكار، وأقول: "ستكون محرجة"، ثم أُحجم عن الإنكار، وأشعر أنني آثمة، رغم أن الموقف يستدعي ذلك.
وعندما أرى عدم الالتزام بساعات العمل من بعض الموظفين، وخروجهم قبل الوقت المحدد، أشعر أن في ذلك خيانة للأمانة، وأخذًا للراتب دون عمل كامل، وقد هممت بالإنكار ذات مرة، لكن المسؤولة تحدثت إليّ وذهبت مباشرة، فهل أُعتبر معذورة؟ أم يجب أن أناديها؟ لا أعلم لماذا يحدث هذا معي، حتى أنني أقول: "لو خرجت مع أختي، هل ستنفر مني؟" وفعلاً، أختي لا تقبل فكرة أن أنصح شخصًا غريبًا، رغم أنها ترى أن ردود فعلهم جيدة.
وأتساءل: هل زوجي المستقبلي سيرفض فكرة الإنكار أيضًا؟ وهل يُعتبر ما أعاني منه نوعًا من الوسواس؟
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك مجددًا -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك التوفيق والإعانة، نشكر لك تواصلك بالموقع وحرصك على تعلُّم أحكام دينك، وهذا من توفيق الله تعالى لك.
وقد قرأت سؤالك كلمة كلمة، وظهر لي من خلال السؤال أنك تُعطين بعض الأمور أكبر من حجمها، ولعلَّ هذا بداية لتسلُّط الوساوس عليك؛ ولذا نحن ننصحك -ابنتنا العزيزة- بالأمور التالية:
أولًا: ينبغي أن تتعلمي أحكام دينك قبل ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أكدنا هذا في استشارةٍ سابقةٍ وصلتنا منك، وأجبناك فيها عن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتفصيل، فإذا كنت على بصيرة من الدين؛ فإن هذه البصيرة ستورثك السكينة النفسية والهدوء النفسي، وستعلمين المواطن التي لا بد للإنسان فيها من أن يتكلم ولا يُعذر فيها بالسكوت، والمواطن التي يمكنه فيها أن يسكت دون إثم.
ثانيًا: ينبغي أن نؤكد لك ونُذكّرك بأننا ذكرنا في الاستشارات السابقة أن الإنسان غير مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ظنَّ أن هذا الأمر لا يُفيد، وأن النهي لا يُثمر؛ بحيث لا ينتفع ولا يستجيب الإنسان المنصوح، هذا رأي بعض العلماء، وفي حالتك أنت ننصحك بالعمل به.
ثالثًا: ينبغي أن تعلمي -ابنتنا العزيزة- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة كفائية، بمعنى أنها لا تتعيَّن عليك أنتِ وحدك، بل تُطلب من كل من رأى منكرًا، فكلُّ مَن يرى المنكر يجب عليهم وجوبًا غير متعيَّن على كل فرد منهم، لكن إذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين.
رابعًا: ينبغي أن تدركي -ابنتنا الكريمة- بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقصود به تحصيل المصالح، كما أكدنا هذا في الاستشارة السابقة، ومن ثم إذا لم تكن هناك مصلحة مترتبة على الأمر والنهي، بل ستحلّ محله مفسدة أكبر منه، أو منكر مساوٍ له، ففي هذه الحالة الإنسان لا يُطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونحن نرى أنك تعانين مشاق أكبر من المطلوب منك، بما سميناه بداية لتسلُّط الوساوس عليك، وواضح جدًّا أنك أشبه ما تكونين بالاقتراب من حالة مرضية، ليست حالة صحيِّة، ولهذا نرى أنه ينبغي لك أن تتمسكي بالأسباب والأعذار التي تُخرجك من إثم عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك كونك لا تعلمين هل هذا الفعل الذي يفعله الإنسان هو منكر باتفاق العلماء أم شيء مختلف فيه؛ فجهلك هذا عُذرٌ كافٍ في ألَّا تُنكري، وقد بيَّنّا لك في الاستشارة السابقة أن من ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون محل الإنكار أمراً متفقاً على تحريمه، وأنت فيما يبدو لنا من سؤالك أن أكثر الحالات التي تقفين أمامها لا تعرفين ولا تدركين: هل اتفق العلماء على تحريمها أم لا؟! فهذا عُذر كافٍ في إخراجك من دائرة المطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نؤكد لك ثانية: أنك في عافية ولله الحمد، فدعي عنك هذا، وتوجهي الآن إلى تعلُّم أحكام دينك، إذا رأيت منكرًا مجمعاً عليه، فحاولي بقدر استطاعتك بالحسنى، بالكلمة اللينة، لمن سيسمع منك؛ فإن ظننت أنه لن يسمع منك، فأنت غير مطالبة أيضًا بالأمر والنهي.
أمَّا والدك فله حق البر عليك، والقاعدة الشرعية: (فأعطِ كل ذي حق حقه)، فبِرّي والدك بحيث لا تُغضبي أُمّك، وإذا تعارض أمران من أُمّك وأبيك، فحاولي أن تَبرِّي كل واحدٍ منهما بطريقةٍ لا تُغضب الآخر، ولو بالإسرار والإخفاء.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُوفِّقك لكل خير.