أريد منهجًا إسلاميًا أربي به طلابي، وأعالج به مشكلة التسرب من الصف.
2025-11-10 00:21:19 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مُعَلِّمة في مدرسة ابتدائية، وبشكل متواصل يطلب مني الأولاد الذهاب إلى دورة المياه، فمنهم من يذهب بالفعل، ومنهم من يخرج من الحصة ويَتَجَوَّلُ في المدرسة، وهدفه الأساسي هو الخروج من الحصة!
ومرة طلب مني ولد الذهاب إلى دورة المياه، وهو كثير الكلام، فكنت سأتركه يذهب بالفعل، لكنه تكلم مع زميله، فقلت له: "لن تذهب"، وبعدها -للأسف- قضى حاجته في الفصل! أنا أشعر بتأنيب ضمير، ولا أعرف ماذا أفعل؟! هل أعتذر له أمام طلاب الفصل جميعًا أم بمفرده؟ أخاف أن يتكلم مع الطلاب في الموضوع، وقد مر على الحادثة 5 أيام! أَعْلَمُ جيدًا أنه موقف صعب، وأريد أي طريقة أساعده بها كي ينسى الموضوع، أو لأخفف عنه! فعليًا، لا أريد أن أترك في نفسيته أثرًا سلبيًا، لكن الموضوع حدث غصبًا عني، وهل الأطفال تنسى مثل هذه المواقف؟
سؤال آخر: أحتاج منهجًا تربويًا وإسلاميًا أسير عليه معهم، بحيث أتحدث معهم كل يوم عن أمر في الدين، وهل لي بأسماء كتب تكون مناسبة في مجال التربية وفهم سلوك ونفسية الطفل؟
وشكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أيتها المعلمة-، وأسأل الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة على حرصك واهتمامك بنفسية طلابك؛ فإن الإحسان في التربية والتعليم من أعظم القربات.
أتفهم تمامًا ما تشعرين به من تأنيب الضمير والضيق؛ فهذا الشعور دليل على صفاء قلبك ونبل أخلاقك، وأنكِ معلمة تحمل هم رسالتها وتخشى أن تترك أثرًا سلبيًا في نفس طالبها، هونّي على نفسك، فالموقف قد حصل غصبًا عنكِ، وفي سياق ضغط العمل اليومي ومحاولة ضبط النظام في الفصل.
سأقدم لكِ الإرشاد بخصوص الموقف، ومنهجًا تربويًا إسلاميًا للتعامل مع الطلاب:
أولاً: معالجة موقف الطالب الذي حدث له التبول في الفصل:
إن هذا الموقف حساس جدًا ويتطلب معالجة حكيمة توازن بين جبر خاطر الطالب وحفظ كرامته، وبين تجنب لفت انتباه زملائه للموضوع مجددًا، أنتِ الآن تحملين شعورًا طبيعيًا، ولكنه قد يعوقك، وهو تأنيب الضمير، تذكري أن هذا الموقف هو ابتلاء لكِ وللطفل.
• تذكري قاعدة الإسلام في التعامل مع الأخطاء غير المقصودة: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [سورة الأحزاب:5]، لم تقصدي إيذاءه، بل كان قرارك نابعًا من إدارة صف تحاولين فيه ضبط سلوك "اللف والدوران" الذي يتبعه بعض الأطفال.
• أكثري من الاستغفار واللجوء إلى الله، واجعلي هذا الموقف دافعًا لزيادة الاحتياط في الرحمة في المواقف المشابهة، وكل ابن آدم خطّاءٌ وخير الخطّائين التوابون.
• الموقف حصل منذ خمسة أيام، وهذا زمن كافٍ لنسيان الأطفال له، ولكن أثره قد يكون باقيًا في نفس الطالب.
• التوصية الأهم هنا هي تقديم اعتذار خاص وليس أمام الفصل، لماذا الاعتذار الخاص؟ الاعتذار أمام الفصل سيعيد فتح الموضوع الذي ربما نسيّه الأطفال بالفعل، وقد يجعل الطفل يشعر بالإحراج مجددًا ويثبت الحادثة في أذهانهم، كيف يتم الاعتذار؟ اطلبي الولد على انفراد (مهم جدًا) إما في وقت الاستراحة أو بعد انتهاء اليوم الدراسي (على انفراد بعيدًا عن الزملاء)، تحدثي معه بهدوء شديد وعاطفة، مثل هذه العبارات: "يا بني، أنا حزينة جدًا لما حدث في ذلك اليوم، أعتذر لك حقًا لأنني لم أسمح لك بالذهاب للحمام عندما طلبت مني، كان ضغط الحصة هو ما دفعني لاتخاذ هذا القرار، وكنت مخطئة في أنني لم أقدر حاجتك، أنت ولدي وأنا أحبك وأتمنى لك الخير، وأعدك أنني سأحاول أن أكون أكثر تفهمًا في المرات القادمة، ولكن أنت أيضًا حاول أن تقلل من الكلام عندما تطلب الإذن حتى لا أشك في صدقك، الموضوع انتهى ولا أريد أن تفكر فيه مجددًا"، أنتِ بهذا تجبرين خاطره، وتصححين الموقف، وتمنحينه إرشادات غير مباشرة للسلوك المستقبلي، والأهم أنكِ تزرعين فيه قيمة الاعتراف بالخطأ والرحمة.
خلال الأيام القادمة، ركزي على الإيجابيات في شخصية هذا الطالب، امدحيه أمام زملائه لمهاراته (مثل: خطه الجميل، ذكائه، حسن قراءته)؛ هذا التعزيز سيعيد بناء صورته الذاتية ويغطي على الذكرى السلبية، اطلبي منه مهمة خاصة (مثل: مساعدتك في توزيع الدفاتر، مسح السبورة، مساعدة زميل)، هذا يرفع من قيمته في نظره ونظر زملائه.
أما تساؤلك: هل ينسى الأطفال المواقف؟ نعم، ينسونها ويتجاوزونها بسرعة كبيرة إذا لم يتم تذكيرهم بها باستمرار، الذاكرة العاطفية للطفل مرنة، والآثار السلبية تكون بسبب تكرار التذكير، أو التنمر من الآخرين، بمجرد أن يروا أن المعلمة لم تعد تولي الأمر أي اهتمام، ووجهت طاقتها للتعزيز الإيجابي، سيُنسى الموقف.
ثانياً: المنهج التربوي الإسلامي لتدريس الأطفال:
لإنشاء منهج تربوي إسلامي متكامل يتناسب مع حصصك، يمكنك اتباع مفهوم قيمة الأسبوع.
منهجية قيمة الأسبوع:
هذا المنهج مقترح لتخصيص دقيقتين إلى ثلاث دقائق في بداية كل حصة لغرس قيمة إسلامية واحدة، معتمدًا على أسلوب القصص البسيط والمناسب لسن الأطفال، وذلك عبر:
1. محور التوكل والعبادة والصدق في طلب الإذن، ركزي على قيمة الصدق في طلب الإذن، واربطيها بالتوكل على الله، عندما نكون صادقين في طلب حاجتنا، يبارك الله لنا في هذا الأمر، يمكن الاستدلال بقصص بسيطة تظهر صدق الصحابة أو التابعين؛ الهدف هو تعليم الطفل أن الصدق هو مفتاح الأمان والقبول، حتى في أبسط الأمور مثل طلب الذهاب لدورة المياه.
2. محور الأخلاق والتعامل والرفق واللين وحب الزميل، من أهم القيم النبوية التي يجب غرسها هي الرفق واللين، تذكري الحديث الشريف: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه"، علمي الأطفال أن يعاملوا زملاءهم بلطف، وأن يتجنبوا الشدة في الكلام أو المزاح، مثال ذلك قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وكيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عامله بالرفق والتعليم بدلاً من الزجر، يوضح عظمة هذا الخلق.
3. محور القيم الروحانية والشكر وحمد الله على النعم، علمي الأطفال مفهوم الشكر والحمد لله تعالى على كل النعم، استشهدي بقوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، يمكنهم تطبيق هذا يوميًا عبر عدّ النعم البسيطة، مثل نعمة الصحة، الأهل، المدرسة، الأقلام والألوان؛ هذا يزرع الرضا والتفاؤل في نفوسهم.
4. محور التعامل مع الآخر، والاستئذان، وحقوق الطريق، ركزي على أهمية الاستئذان في التعامل اليومي، يمكن الاستدلال بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}، طبّقي هذا عمليًا: الاستئذان قبل دخول الفصل، قبل أخذ أغراض الزميل، أو قبل الحديث أثناء شرح المعلمة؛ هذا يرسخ لديهم احترام خصوصية الآخرين وحقوقهم.
5. محور القدوة الحسنة، والنظافة، والطهارة، اجعلي النظافة والطهارة قيمةً عمليةً، استدلي بالحديث الشريف: "الطهور شطر الإيمان"، لا يقتصر الأمر على نظافة الجسد والوضوء، بل يشمل نظافة الملابس، ترتيب الفصل، والاعتناء بالأدوات الشخصية، النظافة مظهر من مظاهر الإيمان وحسن الخلق.
3. أسماء كتب موصى بها: للتعمق في مجال التربية وفهم سلوك ونفسية الطفل من منظور إسلامي وتربوي، إليكِ بعض العناوين التي قد تجدينها مفيدة:
1. "تربية الأبناء في ضوء الكتاب والسنة" للشيخ سعيد بن علي القحطاني (كتاب يؤصل الجانب الشرعي).
2. "أبناؤنا جواهر، ولكننا حدادون" للدكتور مسلم تسابحجي (وأنصح بهذا الكتاب بشدة).
3. "الأطفال المزعجون" للدكتور مصطفى أبو سعد (متخصص في التربية وعلم النفس الإيجابي).
4. مجموعة كتب تربية الأبناء، للدكتور عبد الكريم بكار (يركز على بناء الشخصية الإيجابية).
وهناك مجموعة كتب تربوية جميلة للدكتور مأمون مبيض استشاري الطب النفسي (وهو أحد المستشارين في إسلام ويب):
5. "أولادنا من الطفولة إلى الشباب: منهج عملي للتربية النفسية والسلوكية"، هذا هو الكتاب الأشمل والأكثر تداولاً للدكتور مأمون في مجال تربية الأبناء، يقدم منهجًا علميًا وواقعيًا للتعامل مع المراحل العمرية المختلفة للطفل، بدءًا من الطفولة المبكرة، مروراً بالمشكلات السلوكية والنفسية التي قد تواجهها في بيئة المدرسة الابتدائية، وهو مفيد جدًا للمربين والمعلمين.
6. "دليل تدريب الآباء في تربية الأولاد - الدليل العملي لتدريب الآباء"، هذا الكتاب يركز على مهارات الوالدية (مهارات التربية)، وهي المهارات التي يحتاجها كل مربي (سواء كان أبًا أو معلمًا) لتحسين رعايته وتعامله مع الأطفال، يقدم خطوات عملية وتدريبية في فهم المشكلات والتعامل مع السلوكيات الصعبة، مما يجعله مرجعًا تطبيقيًا لكِ في الفصل.
7. "الذكاء العاطفي والصحة العاطفية"، الذكاء العاطفي هو مفتاح نجاح الطفل في حياته، هذا الكتاب سيساعدك على فهم كيفية بناء الصحة العاطفية للأطفال (التعامل مع الغضب، الحزن، الخوف، التعبير عن المشاعر)، وهو يعزز الجانب النفسي الذي تسعين إليه لتفادي ترك أي أثر سلبي في نفس الطالب.
8. "هوية الطفل"، يساعد هذا الكتاب على فهم كيفية تشكل هوية الطفل وشخصيته، وكيف يمكن للمربي أن يدعم هذه الهوية لتكون سوية ومتوازنة ومنضبطة بالقيم الإسلامية.
أسأل الله أن يوفقكِ في مهمتك النبيلة، وأن يجعل كل جهد تبذلينه في رعاية هذه الأمانات في ميزان حسناتك، تذكري دائمًا أنكِ تحملين رسالة الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فكوني رحمة لهم.
والله ولي التوفيق.