أشعر باليأس والضيق بعد انتقالي لشقتي الجديدة!
2025-11-09 01:24:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حدث خلاف بيني وبين أهلي دام قرابة شهر، لأنني كنت أرغب في الحصول على شقة، والحمد لله حصلت على ما أريد، ومنذ حصولي على الشقة وانتقالي إليها قبل شهر ونصف، أشعر بالحزن والهم، ولا يتوقف قلبي عن تسارع نبضه.
أشعر باليأس وانعدام القيمة، وبالذنب، وتمنّي الموت، ولا أرغب في رؤية من حدث معهم الخلاف، رغم أنهم يعاملونني بكل ودّ، وأشعر أن الدنيا مظلمة، وكأنني أتنفّس من ثقب إبرة، يخفّ هذا الشعور في الليل، لكنه يبدأ منذ استيقاظي في الصباح.
أداوم على الصلاة والذكر وقراءة القرآن، ومع ذلك لا أشعر بتحسّن، فأرجو أن تجدوا لي حلًا، فإني (والله) أموت في اليوم مائة مرة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتفهم تمامًا هذا الألم العميق الذي تشعر به، وهذه المشاعر المتضاربة التي تعصف بقلبك بعد انتقالك إلى شقتك الجديدة، من الطبيعي جدًا أن يكون لهذا الخلاف الذي دام شهرًا ثماره النفسية التي تظهر عليك الآن، حتى بعد أن حققت ما كنت تصبو إليه، لا شك أن الشعور بالذنب تجاه الأهل، وهم أقرب الناس، هو شعور ثقيل يثقل كاهل الروح، ويجعل المرء يشعر وكأن الدنيا ضاقت عليه، وهو ما وصفته بقولك "وكأني أتنفس من ثقب إبرة".
اعلم أن كونك تواظب على الصلاة والذكر وقراءة القرآن دليل خير وعلامة على نقاء فطرتك ورغبتك الصادقة في تجاوز هذه المحنة، وهذا بحد ذاته قوة لا يستهان بها في طريق العلاج.
ما تمر به يمكن النظر إليه من عدة زوايا:
1. لقد حققت منفعة دنيوية بحصولك على الشقة، ولكنك خسرت -أو شعرت بخسارة- سكينة الروح والرضا بسبب جرح عاطفي حدث في علاقتك بأهلك، والإسلام يوجب البر والحرص على مشاعره الأهل، حتى لو كان للإنسان الحق في طلب الاستقلال؛ فهذا الشعور -شعورك بالذنب- هو صوت الفطرة السليمة والوازع الإيماني الذي ينبهك إلى عظمة هذا الحق.
2. تصرفات أهلك معك بالود بعد الخلاف هي دليل على سعة قلوبهم وطيب أصلهم، ولكنها قد تزيد من عبء الذنب عليك؛ لأنك ترى منهم الود مقابل ما تعتبره أنت تقصيرًا أو شدة منك في الفترة الماضية، وهذا الشعور هو ما يمنعك من رؤيتهم ويجعلك تشعر بانعدام القيمة.
3. المشاعر القاسية هذه التي تشعر بها هي غالبًا رد فعل نفسي شديد على صراع داخلي مؤلم بين رغبتك في الاستقلال وحبك لأهلك، والشعور بالتقصير تجاههم، وتذكر دائمًا أن اليأس من روح الله كبيرة من الكبائر، وأن نبينا ﷺ نهانا عن تمني الموت لضُرٍّ نزل بنا، فقد قال ﷺ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا (مُتَمَنِّيًا) فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (رواه البخاري ومسلم)، هذا الدعاء هو منهج التوكل والرضا لنا كمسلمين.
4. أفضل علاج لشعور الذنب هو التوبة والاستغفار مما حدث في حق الأهل، فاذهب إليهم أو اطلب منهم الجلوس معك بهدوء، واعترف بأنك تأسف للخلاف ولأي شدة صدرت منك، ولست بحاجة إلى التبرير، فقط الاعتذار الصادق هو البلسم.
5. حوِّل شعور الذنب إلى طاقة لبرهم؛ اذهب إليهم مرة في الأسبوع على الأقل، قدم هدية بسيطة، اسأل عن احتياجاتهم لمنزلك القديم (الذي لا زلت تعتبرهم فيه) أو شقتك الجديدة، اجلس معهم واجعلهم يشعرون بأنهم جزء من حياتك الجديدة؛ فإن هذا يكسر حاجز الحزن والنفور.
6. قد تكون قلة المال وتدبير أمور الشقة سببًا آخر لشعورك بالقلق (سرعة النبض)، وتذكر أن طلب الرزق الحلال سعي محمود، وأن الله يفتح على المتوكلين، وأكثر من الاستغفار بنية توسعة الرزق والبركة فيه، وقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في أبياتٍ له:
وَإِنْ ضَاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَدٍ*** عَسى نَكَباتِ الدَهرِ عَنكَ تَزولُ
يَعِزُّ غَنِيُّ النَّفْسِ إِنْ قَلَّ مَالُهُ *** وَيَغْنِى غَنِيُّ الْمَالِ وَهوَ ذَليلُ
7. الشعور الذي يأتيك في الصباح ويتفاقم هو لأن العقل يبدأ بالتفكير واسترجاع الأحداث، ولعلاج هذا:
- واظب على أذكار الصباح والمساء بتركيز وحضور قلب، خصوصًا دعاء الهم والحزن: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (رواه البخاري).
- واظب على قراءة المعوذات وآية الكرسي.
- لا تدع اليأس أول ما تستقبله.
- فور استيقاظك صلِ ركعتين خفيفتين أو قم بالوضوء.
- افتح النوافذ لتجديد الهواء والشعور بضوء الشمس (الضوء يقلل من الاكتئاب الموسمي والهم).
- ابدأ بممارسة رياضة بسيطة أو المشي حول المنزل لكسر حالة الخمول.
8. عندما يأتيك فكر سلبي (مثل تمني الموت أو انعدام القيمة)، قاطعه مباشرة وفكر في نعمة واحدة في حياتك (نعمة العبادة، نعمة الشقة، نعمة الأهل الذين يودونك)؛ هذا ما يسمى في علم النفس بـ "إيقاف الأفكار السلبية" (Thought Stopping).
9. على الرغم من مواظبتك، حاول أن تجعل الصلاة هي لقاء الهدوء ومكان التفريغ، استشعر أن الله يسمعك في السجود، تذكر قول ابن القيم: "حاجة العبد إلى ربه، أشد من حاجة الظمآن إلى الماء، والجائع إلى الطعام".
10. إذا كان الهدوء يعتريك في الليل، استغله في قيام الليل والدعاء الصادق بأن يذهب الله عنك هذا الهم والوحشة.
11. سرعة النبض الدائمة، والشعور المستمر باليأس وتمني الموت، هي أعراض قوية جدًّا تستدعي التدخل الطبي المباشر؛ فلا تتردد في استشارة طبيب نفسي (لتقييم الأعراض الجسدية والنفسية) أو مستشار نفسي سلوكي مؤهل (لمساعدتك في إدارة المشاعر السلبية وتأنيب الضمير)؛ طلب المساعدة هو دليل قوة وحكمة، وليس دليل ضعف، وهو سبب تأخذه ليرفع الله عنك البلاء، تمامًا كما تذهب للطبيب لعلاج مرض جسدي.
12. لا تكتفِ بالإرشاد الإيماني وحده إذا استمرت هذه الأعراض بهذه الشدة لأكثر من أسبوعين قادمين، تذكر دائمًا قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3]، فاجعل التقوى في برك بوالديك هي مفتاح المخرج من هذا الضيق.
وفقك الله.