انقلبت حياتي من التزام ونجاح إلى فشل وانغلاق.. أريد حلًا!
2025-11-19 21:44:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة جامعية، كانت حياتي تسير بشكل طبيعي؛ أُصلِّي، وقريبة من الله، وأراقبه في أقوالي وأفعالي، وأخاف عصيانه، وكنت ناجحة ومتفوقة دراسيًّا، ولدي علاقات جيدة مع الناس.
أُصبت بالوسواس في الطهارة منذ سنتين، فشقَّ عليَّ كثيرًا، وصارت حياتي صعبة، ولكني صبرت، وتمسكت بصلاتي رغم صعوبة الطهارة لكل صلاة، وتمسكت بحياتي ودراستي وديني.
وصبرت على هذا الحال لأكثر من سنة، ثم ازداد الوسواس، وصاحبته مشكلة خروج النجاسة من الدبر بشكل مستمر، وهذا ما صعَّب حياتي والصلاة، وجعلها شديدة الصعوبة عليَّ.
وصاحب ذلك إدمانٌ لمشاهدة المسلسلات ومقاطع اليوتيوب، إذ اعتمدت عليها كمصدر للفرح في وسط صعوبات الحياة، وأنا أعلم أنني مخطئة.
ولكن الآن حياتي صعبة؛ فأنا التي كنت أعتصر ندمًا على تأجيل الصلاة لدقائق أو لفترة بسيطة، أصبحتُ أتركها عمدًا، ولا أدرس أبدًا رغم صعوبة دراستي، وأصبحت أجلس وحدي، أُضيِّع الوقت، ولا أختلط بأحد، وحالتي النفسية صعبة للغاية، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت.
لا أعلم كيف أحل مشاكلي: ترك الصلاة، وترك الدراسة، وإدمان الهاتف، والانغلاق، والحالة النفسية السيئة، لا أعلم كيف أنتشل نفسي من هذا المستنقع المظلم. صعبٌ عليَّ بعد كل هذا النجاح والحياة المليئة بالانضباط الدراسي والديني والاجتماعي، أن تنقلب الأمور هكذا، والمشكلة أن هذا حدث فجأة، دون مقدمات: إدمان الهاتف، ثم تضييع الصلاة، وغيرها.
أريد حلًّا، هل أذهب إلى طبيب نفسي؟ ماذا أفعل؟ لقد طالت هذه الفترة، ولا أريد أن أظل هكذا، فإني والله لا آمن إن بقيت على هذه الحال من الشيطان، ولا آمن على حياتي من نفسي، وأخاف أن أؤذي نفسي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرًا لك -أختنا الكريمة- على تواصلك معنا في إسلام ويب.
بدايةً: دعينا نتفق على أن أي مشكلة مهما عظمت يكون لها أكثر من حل -بإذن الله تعالى-، فقط الأمر يتطلب منك أن تفكري بطريقة مختلفة، وما يساعدك على ذلك هو ما يُعرف اصطلاحًا بالتفكير الموجَّه، وله طريقتان:
الطريقة الأولى هي طريقة القوة والعزيمة والإصرار، والحرص على إيجاد الحلول التي تساعد على إعادة التوازن والعودة إلى ما كنتِ عليه قبل المشكلة، وهذه الطريقة مرجعيتها الأساسية هي:
أن تُغذِّي عقلك بالقوة، وكما تعلمين أن الإنسان كلما غذَّى عقله بالقوة يكون قويًّا، وأن هذه القوة تمنح إمكانية التفكير بطريقة إيجابية ومدروسة، وبالتالي يسهل إيجاد الحلول والتغلُّب على المشكلات والصراعات التي تواجه الإنسان في حياته.
فأنت عندما كنتِ حريصة على الصلاة كنتِ قريبة من الله -سبحانه وتعالى-، والهدف المنشود هو الأجر والثواب، والنتيجة هي السعادة والاستقرار وراحة البال، وفي المقابل عندما تركتِ الصلاة ولجأتِ إلى المسلسلات والجوال، إلى من تقرَّبتِ؟ تقربت إلى الشيطان، وما هو الهدف؟ لا هدف، والنتيجة هي حزن وكآبة، وقلق وتوتر.
وهنا تأتي الحاجة إلى التفكير الموجَّه، خاصةً أنك ذكرتِ في رسالتك أنك كنتِ محافظة على صلاتك، فإذا ما أمعنتِ النظر في هذه العبارة (كنت محافظة على صلاتي) سوف تَصِلِين إلى حقيقة أنك لديك القدرة والاستطاعة للفعل، وأن هذه القُدرة لا تنتهي، لكنها يمكن أن تكون غير مُفعَّلة، والتفكير الموجَّه يمنحك القوة لاستعادة هذه القدرة واتخاذ القرار الذي له هدف وله نتيجة.
والطريقة الثانية هي الضعف والاستسلام، ومرجعيتها هي: أن يُغذِّي الإنسان عقله بالضعف، والنتيجة الحتمية لهذا الاستسلام هي المعاناة والصراعات وعدم الاستقرار.
ما أطلبه منك هو:
• أن تغذِّي عقلك دائمًا بالقوة، والابتعاد عن الضعف والاستسلام، والحرص على استخدام التفكير الموجَّه الذي له هدف واضح وله نتيجة معروفة.
• موضوع وسواس النجاسة علاجه سهل ومتاح، فقط المطلوب منك هو التوجُّه إلى أقرب مركز أو مؤسسة علاجية متخصصة لمقابلة الطبيب النفسي أو المعالج النفسي؛ لأن علاجه يحتاج إلى تدخل دوائي من قبل الطبيب، وجلسات نفسية من قبل المعالج النفسي، حيث يوجد بروتوكول خاص (العلاج بالتعريض ومنع الاستجابة، العلاج السلوكي المعرفي وفنياته المختلفة).
• وسواس النجاسة وعلاقته بالصلاة، من الأفضل التواصل مع رجل دين متخصص لمعرفة الجوانب الفقهية والشرعية.
وختامًا: نسأل الله أن يُنعِم عليكِ دائمًا بنعمة الصحة وتمام العافية، وأن يُعينكِ التفكير الموجَّه على التوازن والاستقرار والسعادة.
_________________________________________________
انتهت إجابة الدكتور / أسامة الجيلي، المعالج النفسي والخبير في تقييم وتشخيص الاضطرابات النفسية والسلوكية والإدمان.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_________________________________________________
مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولًا: نسأل الله -سبحانه وتعالى- لك عاجل العافية، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه.
ثانيًا: قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور/ أسامة بما ينفعك من الناحية السلوكية، ويبقى أن نشير عليك ببعض الأمور التي تحتاجينها من الناحية الشرعية.
أول هذه القضايا -أيتها البنت العزيزة- أن تُدركي تمام الإدراك، وتعلمي تمام العلم، أن شريعة الله -سبحانه وتعالى- سهلة مُيسّرة، وأن الله تعالى شرع الأحكام لا ليُوقِع الإنسان في الضيق والمشقة، بل ليُسهّل له ويُيسّر له عباداته، فقد قال الله في آخر آية الوضوء في سورة المائدة: ﴿مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].
ولكنك أنتِ من أَوجد هذه المشقة والضيق بسوء التصرف مع عباداتك، وإذا رجعتِ إلى الطريقة الشرعية الصحيحة، فإنك ستجدين الأمور سهلة ميسّرة -بإذن الله تعالى-.
ومن تيسير الله تعالى في أمور العبادة والطهارة أن الموسوس عفا الله -سبحانه وتعالى- عنه في أشياء، وسامحه فيها ممَّا لا يُسامَح فيها غير الموسوس، ومن هذه الأحكام: أن الموسوس مأمور شرعًا بأن يُعرض عن الوسوسة، سواء كانت في الطهارة أو في الصلاة أو في غير ذلك، ولا يعمل بمقتضاها، حتى لا تتمكن هذه الوسوسة منه وتُثقل عليه عباداته، وقد يصل إلى ترك العبادات بالكلية، كما هو حالك الآن مع الصلاة.
فالوسوسة في طهارتك بأنك لم تتوضئي الوضوء الكامل الشرعي، أو بأنه خرج منك شيءٌ بعد الوضوء، أو بأنه خرجت منك نجاسة، كل هذه الوساوس والأوهام، المطلوب منك شرعًا ألَّا تتفاعلي معها، وأن تُدركي أن الله تعالى يرحمك، ويقبل منك صلاتك على فرض أن فيها نقصًا، فإن الله تعالى شرع للمريض أحكامًا مخالفة لأحكام الإنسان الصحيح، وعباداتُ المريض ستكون بلا شك فيها نقص عن عبادات الإنسان الصحيح، ومع ذلك، فالله تعالى يتقبل منه بما فيها من النقص.
فإذًا: هذا أول الأمور المطلوبة منك: عدم التجاوب والاستجابة لهذه الوساوس، وأن تفعلي العبادة -كالطهارة مثلًا- مرة واحدة، ثم لا تلتفتي إلى أي شيء آخر، تُصلّين بهذه الطهارة، وكيفما كانت صلاتك فإنها مقبولة -بإذن الله تعالى-.
هكذا أمر الرسول ﷺ الموسوس، قال: (فليستعذ بالله ولينتهِ)، يعني: يتجنب الاسترسال والمشي مع الوساوس، والفقهاء صرّحوا بهذا، فقالوا: يجب عليه أن يتلهّى عن الوساوس، ونحن ندرك تمام الإدراك أن هذا هو الدواء الحقيقي لمشكلتك.
استعيني بالله -سبحانه وتعالى- والجئي إليه بكثرة الاستعاذة، وكثرة الذكر، واصبري على هذا الطريق حتى يمنّ الله تعالى عليك بالعافية.
وأمَّا ما ذكرتِ من قطعك للصلاة واسترسالك في النظر إلى الأشياء الضارة بك دينيًا، فإن الأخ الفاضل الدكتور/ أسامة قد دلّك على الطريقة السلوكية للتغيير، ونحن نزيدك هنا أن نقول: إن من أسباب هذا التغيير أن تتذكّري دائمًا النهايات التي تنتهي إليها الأمور، فأنتِ تحاولين إسعاد نفسك بالشيء المحرّم، ولكنك إذا تذكّرتِ أن وراء هذا المحرّم عقوبة، فإن هذا سيغرس في قلبك الخوف والفزع، والخوف أعظم زاجر للإنسان عن التمادي في الأشياء المحرّمة.
فحاولي أن تذكّري نفسك دائمًا بالحياة الآخرة بعد الموت، وما يلقاه الإنسان في آخرته من ثواب جزيل ونعيم مقيم إذا عمل العمل الصالح، وما يلقاه من العذاب الشديد إذا هو أساء وفرّط في فرصته في الحياة في هذه الدنيا. حاولي أن تستمعي إلى المواعظ التي تُعظّم رجاءك في الله، وتُذكّرك بالجنة وما فيها من النعيم، وتُذكّرك بالنار وما فيها من العذاب؛ فإن هذا الوعظ من شأنه أن يُحيي القلب، ويغرس فيه الرغبة في العمل الصالح، والخوف من العمل السيئ.
كما نُوصيكِ -ابنتنا الكريمة- بضرورة التواصل والتعرّف إلى الفتيات والنساء الصالحات، فهنَّ خير من يُعينك على الاستمرار على الطاعة والابتعاد عن المعصية، والإنسان يتأثر بمن حوله بالضرورة، لأنه مدنيٌّ بطبعه، فيتأثر بكل من حوله، فحاولي أن تخرجي من عزلتك هذه بالتعرّف على الصالحات الطيّبات، وستجدين نفسك -بإذن الله تعالى- تنتقلين من حال إلى حال أحسن.
نسأل الله تعالى أن يُعجّل لك بالعافية والشفاء، وأن يصرف عنك كل داءٍ ومكروه.