كيفية التعامل مع حسد الحاسد

2008-06-03 08:24:42 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كيف يتم التعامل مع الحاسد لكي يذكر كلمة (ما شاء الله)؟ فقد يرفض باللين أن يقولها، فهل أستخدم معه العنف - القوة -؟ علماً أنني أتوقع أنه أصابتني عين من هذا الشخص، فماذا أفعل؟ وماذا أقرأ لكي أتحصن؟!

وشكراً لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الكريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك كل سوء وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يكفيك حقد الحاقدين وحسد الحاسدين، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على فعل ما يرضيه.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنك تعلم أن هناك أموراً قد تولد مع الإنسان لا دخل له فيها، فتوجد صفاتٌ يشاء الله تبارك وتعالى أن يودعها في بعض عباده دون تدخل منهم أو إرادة، وهذه الصفات جعلها الله تبارك وتعالى من قدره وذلك كالإنسان الذي يولد متخلف عقلياً أو الإنسان الذي يولد وهو لا يحسن التصرف، أو الإنسان الذي يولد وهو أعمى أو أعرج أو به عيب في مكوناته البدنية أو النفسية، كل ذلك إنما هو ابتلاء من الله تبارك وتعالى للإنسانية جمعاء، فهو ابتلاء لنفس الشخص، وابتلاء لأسرته، وابتلاء لمن يعيش معه، ثم هو عبرة وآية للمجتمع من حوله، فإن الله تبارك وتعالى خلق هؤلاء الذين ليسوا بأسوياء ليعتبر ويتعظ بهم الأسوياء الذين أكرمهم الله تبارك وتعالى بالكمال العقلي والكمال البدني والجسماني.
ومن هذه الأشياء ما يعرف بالحسد، فالحسد ينقسم إلى قسمين: حسد يُولد مع الإنسان منذ نعومة أظفاره، وهذه كأي آفة من الآفات التي شاء الله تبارك وتعالى أن يولد بها الإنسان وأن تعيش معه، وهذا قد يحاول أن يتخلص منها إلا أنه لا يستطيع كأي أمر من الأمور التي يصاب بها الإنسان ولا يستطيع أن يدفعها عن نفسه، كرجل عنده ضعف في النظر أو رجل عنده قصور في بعض الأوردة أو بعض الأجهزة في داخل بدنه، وهذه مسألة عجز الطب عن حلها فتظل هكذا.

وكذلك أيضاً هناك الحسد الذي يولد مع الإنسان ولكنه بنسبة أعلى، وهذا الحسد قد يتأذى منه صاحبه شخصيّاً لأنه لا يريد أن يسبب ضرراً لأحد ولا إحراجاً لنفسه، ولكنَّ عينه تسبقه، وهناك نوع آخر من الحسد وهو تمني زوال نعمة الغير والسعي في ذلك واشتهاؤه من القلب.

فالنوع الأول من الحسد الفطري لا يجتهد صاحبه في هذا الأمر وإنما قد يكون شخصاً عادياً إلا أنه في وقت معين ينظر لشيء معين فتخرج العين منه -رغماً عنه- لتصيب هذا الشخص، وهذا معذور في ذلك، إلا أنه مطالب أن يدعو الله تبارك وتعالى أن يصرف عنه هذا البلاء وأن يقي الناس من شره، كما أنه مطالب أيضاً أن يبرِّك كلما رأى خيراً قال: (ما شاء الله تبارك الله) حتى لا يتضرر من ينظر إليه بهذه العين التي تخرج رغماً عنه.

وأما النوع الثاني وهو الحسد المذموم الذي ذمَّ الله تبارك وتعالى فاعله بقوله: ((وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ))[الفلق:5]، والذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) إلى غير ذلك فإنما هو الحسد الذي يكون برغبة الإنسان وتمنيِّه، فإنه كأنه يحرك في داخله بعض الغدد وبعض الأجهزة لتخرج هذه الطاقة حتى تحرق من أمامه أو تلحق الضرر به، وهذا هو الحسد المذموم الذي بينه الله تبارك وتعالى في الكتاب والسنة.

فهذا الحسد بهذه الصفة صاحبه عاصٍ لله تعالى، وهو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن خطره وبيَّن أنه لن يفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، هذا هو الحسد المذموم، وهذا النوع من الحسد سواء أكان النوع الأول أو الثاني لابد أن نتعامل معه بالرفق؛ لأن الرفق في كل شيء حسن ومحمود، ولذلك أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق، وأخبرنا أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، وأخبرنا أن التأني من الله وأن العجلة من الشيطان، ولذلك كم أتمنى أن تستعمل الرفق في كل أمر من أمورك مع المسلمين سواء كانوا من الأقربين أو الأبعدين؛ لأن الرفق يجعلك محبوباً ممن تتعامل معه ويسهِّل عليك الوصول إلى قلبه، ويفتح قنوات الحوار أمامك حتى مع عدوك تستطيع أن تحاور معه وأن تصل معه إلى نتيجة مرضية.

وأما العنف والشدة فإنها تجعلك منبوذاً من أقرب الناس إليك، وبالتالي تسبب لك مشاكل كثيرة، لأنك قد تكون عنيفاً مع شخص هو أشد عنفاً منك فيترتب عليه أن يلحق بك ضرراً أنت أصلاً في غنىً عنه، ومن هنا أوصيك باللين، فعندما تسمع عن إنسان به هذا الداء فاذهب إليه ناصحاً وقل له: أعلم أنك لا تريد أن تضر أحداً وأعلم أن هذا الأمر قد يكون من قدر الله تعالى ولكنَّ حبيبك عليه الصلاة والسلام علمنا أنك إذا رأيت ما يعجبك أن تبرِّك عليه حتى تأخذ أجراً، لأنك بذلك تدفع الضرر عن إخوانك من المسلمين، فأنت عندما تقول (ما شاء الله تبارك الله) أنت بذلك تدفع الضرر عن هذا الإنسان وبذلك أنت مأجور وقد كففت الأذى عن الناس ولك عند الله تبارك وتعالى على ذلك أجراً، وتثني عليه بأن فيك خيراً وأني أعلم أنك تحب الله ورسوله وأنك تكره الضرر للناس، ولكن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وإن قال لك: إن هذا الكلام لن يؤثر ولن يفيد، فقلْ له: إن عليك إلا البلاغ، إن عليك إلا التطبيق، لقد بلغتك الآن وأنت عليك أن تطبق ودع النتائج على الله تعالى.

بهذه الكيفية سوف يقي الناس من شره وتقي نفسك من شره؛ لأنه سوف يتعود كلما رأى ما يعجبه قال (ما شاء الله تبارك الله)، وقل له: إن العين حق وإن الإنسان قد يحسد نفسه، وأنا لا أتهمك، ولكن هذا فقط أريد منك كلما رأيت شيئاً يُعجبك أن تقول كما علمك الله تبارك وتعالى: ((وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ))[الكهف:39]، وهذه سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أيضاً، وهذا الكلام يكون برفق ولين حتى يقبل منك؛ لأنه لن يقبل منك خلاف ذلك.
وأما عن نفسك فدائماً لابد أن تبرِّك على نفسك، حتى إن نظرت إلى نفسك في المرآة وأعجبتك نفسك، فلا تنسى أن تقول: (ما شاء الله تبارك الله) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن العين حق، وأن الإنسان إذا رأى ما يعجبه من نفسه أو ماله أو ولده، فإذن قد أُلحق الضرر بنفسي كأن أنظر إلى المرآة فأجد نفسي ولله الحمد شكلي طيب وصحتي موفورة وأتمتع بنشاط وحيوية قد تسبقني عيني فيلحق الضرر بي، وأقول حسدني فلان، وفي الواقع أنا الذي حسدت نفسي، فدائماً كلما رأيت شيئاً يعجبني في نفسي أو في ولدي أو في مالي أقول (ما شاء الله تبارك الله) وبذلك تنطفئ العين حتى وإن خرجت مني.

وأما لو أصابتك عين من مثل هذا الشخص فاطلب منه أن يتوضأ لك وأن يغسل لك داخلة إزاره، وهذا الماء يأخذه أحد من أقاربك ويسكبه على قفاك من الخلف وأنت لا تدري، يعني في لحظة غفلة يرمي هذا الماء على قفاك من الخلف، وإن شاء الله ستخرج منك هذه العين، وهذه سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

وإذا لم تستطع أن يتوضأ لك فلا مانع أن تأخذ أي ماء بأي حيلة حتى وإن كان الماء الذي غسل فيه يديه، حتى وإن شرب كأس شاي أو فنجان قهوة ووضع في قدر – كما يفعل العرب – تأخذ هذا الماء وتشربه أو تحاول أن تفرغه على بدنك، حتى وإن أخذت ثوباً من ثيابه إن استطعت وغسلته في الماء وأخذت ماءه ثم أيضاً صُبه على رأسك من الخلف.

وإذا لم تستطع ذلك كله فليس أمامك إلا سورة الفاتحة وقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وبإذن الله عز وجل سوف تعافى من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن سورتي: (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس): (ما تعوذ متعوذ بمثلهما).
وأما عن التحصين فأوصيك بأذكار الصباح والمساء خاصة: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، فإنه لن يضرك شيء، وأيضاً كذلك: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحاً ومثلها مساءً، فإنك لن يضرك شيء بإذن الله تعالى.
نسأل الله لك الحفظ والستر والعناية والتوفيق والسداد، وأن يرد عنا وعنك كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين، إنه جواد كريم.
والله ولي التوفيق.

www.islamweb.net