الصرع وعلاقته بمرض الفصام

2009-02-03 12:37:13 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أود أن أشكركم في بادئ الأمر، وأريد أن أعرف ما العلاقة بين الصرع والفصام؟
حيث إنني مصاب بالفصام العقلي منذ سنوات، وأتعالج عند دكتور نفسي كبير، وتدهورت حالتي إلى أن تمكنت بي الأعراض السلبية للمرض، وتقريباً انتهت الأعراض الإيجابية ولكنني عندما ولدت أصبت بتشنجات مع زرقة في الوجه وتشنج للأعضاء من غير خروج زبد، وذلك عدة مرات مع وجود مغص، وقد شخصها الطبيب على أنها تقلصات "مغص" وكتب لي " واررين " ربما كان مشابها لهذا الاسم.

وأوقفت الدواء بعد 6 أشهر بدون إذن الدكتور، ولم تأتِ لي حالات تشنجات حتى الآن.

جدتي أصيبت بنسيان كل شيء قبل موتها لمدة أربعة أعوام حتى نسيت الصلاة، وبنت خالتي أصيبت بمرض نفسي أخذت نفس أدويتي، وعمتي تتشنج بين الحين والآخر.

أنا أظن أن مرض الفصام عندي منشؤه الصرع، فربما تحول الصرع إلى فصام، فهل يختلف التشخيص؟ وهل يختلف الدواء؟ وهل أحتاج لرسم مخ؟ وما اسم الأشعة؟ وأي مكان بالمخ حتى أستطيع أن أعملها؟ وكيف أتغلب على الأعراض السلبية للمرض؟ أرجو الشرح.

ما رأيكم بدواء إريببركس؟ وما الفرق بينه وبين إبيليفاي؟ وما علاقة الصرع بالفصام؟



الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على ثقتك فيما يقدمه إسلام ويب، ونرحب بك كثيراً في هذا الموقع.

فإنه بالنسبة لسؤالك الأول وهو: ما هي العلاقة بين الصرع والفصام؟ هذا سؤال جيد جدّاً وسوف أعطيك نبذة تاريخية بسيطة لأنها في نظري هامة جدّاً:

في عام 1934م قام العالِم المجري (مادونا) وهو طبيب مختص في أمراض الأعصاب بوضع نظرية تقول إن مرض الصرع والفصام لا يمكن تواجدهما في نفس المريض، وذلك نسبة لملاحظة بسيطة لاحظها، وهي أن المريض الذي يعاني من مرض عقلي كالفصام حين تأتيه التشنجات الصرعية يتحسن من الناحية العقلية، أي تنتهي الأعراض الذهانية.. هذه الملاحظة كانت ملاحظة مهمة جدّاً بالرغم من أنها خاطئة؛ حيث اتضح مستقبلاً أن هذه الفرضية ليست صحيحة، بمعنى أن مرض الصرع ومرض الفصام يمكن تواجدهما لدى نفس الشخص، ولكن الفائدة التي حدثت هي أن التشنجات الصرعية تمت الاستفادة منها لعلاج مرض الفصام، وذلك حين قام العالِم الإيطالي (سرليتي) عام 1938م باكتشاف الجهاز الذي تُعطى من خلاله جرعات كهربائية بسيطة تؤدي إلى تشنجات تشبه التشنجات الصرعية، وهذه تعطى لمرضى الفصام، وهذا الجهاز وهذه الطريقة في العلاج تطورت لاحقاً لتصبح العلاج الكهربائي الذي نمارسه الآن، ويُعطى لبعض مرضى الحالات الفصامية والذهانية.

هذه نبذة تاريخية ضرورية وهامة، ولكن خلاصة الأمر أن مريض الصرع يمكن أن يصاب بمرض الفصام في نفس الوقت.

وهنالك منطقة في المخ تسمى بالفص الصدغي، هذه المنطقة إذا أصيبت باضطراب في كهرباء الدماغ قد تؤدي إلى تشنجات صرعية أو قد تكون التشنجات ليست واضحة، ولكن حين نقوم بإجراء تخطيط المخ تظهر هذه التغيرات على التخطيط أو رسم المخ، كما أن بعض الأشخاص ربما تظهر لديهم تصرفات غير طبيعية مثل الميول للاندفاعية وللعصبية والتوتر، وهؤلاء أيضاً ربما يكون لديهم بؤرة نشطة في الفص الصدغي، واضطرابات الفص الصدغي تؤدي أيضاً إلى ظهور أعراض مرض الفصام.

إذن: الذي ينشأ من الفص الصدغي هو أكثر أنواع الصرع التي تظهر معها أعراض الفصام، وفي عام 1982م قام العالِم الأمريكي (فلور هنري) باكتشاف أن البؤرة الصرعية إذا كانت موجودة في الشق الأيسر من المخ في الفص الصدغي، هذا يؤدي إلى ظهور أعراض الفصام في حوالي أربعين بالمائة من المصابين، أما إذا كانت البؤرة الصرعية في الشق الأيمن فهذا ربما يؤدي إلى أعراض الاكتئاب..هذا العالم الأمريكي حاز على جازة نوبل للطب بعد أن قام بهذا الاكتشاف.

أرجو ألا أكون قد عقدت عليك الموضوع، فقط حاولت أن أعطيك خلفية عن العلاقة بين مرض الصرع ومرض الفصام.

بالنسبة لك أسأل الله لك الشفاء والعافية، وأنت ـ الحمد لله ـ الآن لا تعاني من أي أعراض إيجابية، فقط بقي لديك الأعراض السلبية لمرض الفصام، وكما ألاحظ ـ الحمد لله ـ أنك على استبصار كامل بمرضك وعلى ارتباط بالواقع، وهذا أمر يشجع تماماً، وعليك أن تسعى لتأهيل نفسك بالطرق المعروفة وذلك من أجل التخلص من الأعراض السلبية، ومن أهم وسائل التأهيل هي أن تبحث عن عمل، وأنت ـ الحمد لله ـ رجل مهندس ومؤهل، ابحث عن عمل مهما كان بسيطاً، وحاول أن تتواصل اجتماعياً، ومارس التمارين الرياضية، وشارك الناس في كل مناسباتهم... هذه كلها وسائل مهمة جدّاً للتأهيل، وهذا نسميه بالتأهيل الوظائفي، وهو من أفضل الطرق لعلاج الأعراض السلبية لمرض الفصام، وذلك بجانب تناول الدواء بالطبع.

أنت في حالتك ذكرت هذه التشنجات التي أصابتك أيام الطفولة الأولى، أنا أقول لك: ليس هناك دليل قاطع أنك تعاني من مرض الصرع، ولكن نسبة لحدوث هذه التشنجات في مرحلة مبكرة من العمر ربما يكون حدث وتكوّنت بؤرة صرعية صغيرة في الفص الصدغي، وهذه ربما تؤدي أو تكون مرتبطة بمرض الفصام.

أنا لا أريدك مطلقاً أن تنزعج مطلقاً لهذا الموضوع أو تؤوله أكثر مما يستحق، الأمر ببساطة هنالك احتمال أنه توجد لديك بؤرة صرعية غير نشطة، وهذه حقيقة ليست مهمة، لأننا في مثل هذه الحالة ليس من الضروري أن نعطي حتى الأدوية المضادة للصرع، وإن كان بعض العلماء وبعض الأطباء يفضل إعطاء الأدوية المضادة للصرع بجرعة صغيرة، مثل العقار الذي يعرف تجارياً باسم (دبكين كورونو Depakine chorono) يعطى في بعض الحالات بجرعة خمسمائة مليجرام ليلاً، وذلك بجانب الأدوية المضادة للفصام والمضادة للذهان.

إذن لا يوجد اختلاف في التشخيص، هذه حقيقة لابد أن أؤكدها لك، ولا يوجد اختلاف في الدواء، بمعنى أن الاستمرار على الدواء المضاد للفصام وللذهان يعتبر هو الآلية الرئيسية بالنسبة للعلاج، ولا مانع أن تضاف إليه أدوية مضادة للصرع بجرعة صغيرة مثل هذا العقار الذي ذكرته لك، ويمكن أيضاً إجراء تخطيط للدماغ، فتخطيط المخ ربما يظهر ويعطينا بعض المؤشرات بوجود بؤرة صرعية من عدمها، وهذا الفحص لا يعتبر فحصاً قاطعاً، ولكنه قد يفيد، ونعرف النتيجة تكون إيجابية في حوالي أربعين إلى خمسين بالمائة فقط من الذين يعانون من بؤرة صرعية.

خلاصة الأمر التشخيص لا يختلف والعلاج لا يختلف كثيراً، فيمكنك أن تقوم بإجراء رسم المخ، هذا لا مانع أبداً منه، وهذا فحص بسيط جدّاً.

الأشعة ليس هنالك داع لها، ولكن إذا أردت أن تُكمل الفحوصات فلا مانع من إجراء صورة مقطعية عامة للمخ.

يوجد نوع من الأشعة تسمى بالطنين أو الرنين المغناطيسي الوظائفي، وهذا ليس متوفراً في كثير من الدول، وهذا ربما يكون فحصاً دقيقاً وأدق، ولكني من تجاربي المتواضعة في هذا السياق لا أرى أنه ضروري، ولا أريدك أن تتعب وأن تبحث عن هذا النوع من الأشعة المغناطيسية، والصورة المقطعية سوف تكون كافية جدّاً.

أما بالنسبة للتاريخ الأسري.. نعم أنت لديك تاريخ أسري للتشنجات وذلك للأمراض النفسية، وهذا يجعلنا ننصحك بأن تكون أكثر حرصاً على تناول أدويتك، وأن تسعى للتخلص من كل الإعاقات الاجتماعية التي يسببها هذا المرض.

أنت ـ الحمد لله ـ لديك درجة عالية من المعرفة ومن العلم، وهذا في حد ذاته وجد أنه من أفضل الطرق التي تقاوم هذا المرض، فقط يجب أن تدعم ذلك بأن تدفع نفسك؛ لأن مرض الفصام – خاصة الأعراض السلبية – كثيراً ما تجعل الإنسان ينسحب اجتماعياً ووجدانياً وعاطفياً ولا يحب التفاعل مع الآخرين، لذا أنت مطالب بأن تطبق هذه التمارين الوظائفية بأن تجعل لنفسك برنامجاً يومي يشمل على التواصل مع الآخرين، ولابد أن تبحث عن عمل، وعليك بالاطلاع، وعليك بالجلوس مع الآخرين في مجالسهم مع المشاركة الفعالة، لا تكن مستمعاً فقط... هذه كلها إرشادات مهمة وضرورية جدّاً، وأنا أثق تماماً أنها سوف تؤدي إلى تحسن كبير في حالتك.

بالنسبة لحالة جدتك – عليها رحمة الله تعالى – فقد فقدت الذاكرة لمدة أربعة أعوام، ولا أعتقد أن ذلك ناتج من مرض الفصام؛ لأن مرض الفصام لا يؤدي إلى فقدان الذاكرة، وغالباً ما تكون قد أصيبت بما يسمى بالعته أو الخرف أو ما يسميه البعض بعلة الزهايمر.

أما سؤالك عن رأينا في دواء (اريببركس) وما الفرق بينه وبين إبيليفاي Abilify؟
الدواء الذي ذكرته إيببركس أعتقد أنه اسم تجاري للإبلفاي نفسه، والإبلفاي هو الاسم التجاري الأصلي، والإريببركس ربما يكون اسماً تجارياً محلياً في مصر.

عموماً سوف أعطيك الاسم العلمي وهو (ارييزازول Airpiprazole)، وإذا كان هذا الاسم العلمي مطابقاً للإريببركس إذن يكون هو نفس الإبلفاي، أما إذا كان الاسم العلمي ليس مطابقاً فأرجو أن تفيدني بالاسم العلمي للإريببركس، وسوف أفيدك بالمحتوى البيولوجي لهذا المركب.

أما سؤالك الأخير: ما علاقة الصرع بمرض الفصام؟
فقد أوضحنا لك ذلك أن الاعتقاد سابقاً أن الحالتين لا يمكن تواجدهما في نفس المريض، ولكن اتضح أن هذا ليس بالصحيح أبداً، بل يمكن للإنسان أن يصاب بالصرع والفصام في نفس الوقت، وأكثر أنواع الصرع المرتبطة بالفصام هو الصرع الذي يكون منشؤه أو توجد بؤرته في الفص الصدغي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.
وبالله التوفيق.


www.islamweb.net