الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف الزوج أن لا يمسّ زوجته حتى تنتهي السنة الميلادية

السؤال

تخاصمت مع زوجتي، وقلت لها: أشهد الله أنني لن أمسّها إلى أن تنتهي هذه السنة 2008 -ستة أشهر-، فهل من كفارة لهذا اليمين؟ علمًا أنها دائمًا ما تضطرني إلى حلف أيمان كثيرة اعتيادية، أكفّر عنها في حينها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فهذه الصيغة التي أتيت بها، اختلف فيها أهل العلم: فمنهم من يرى أنها يمين، قال ابن المنذر -رحمه الله- في كتابه: الإشراف على مذاهب أهل العلم في الاجتماع والاختلاف: وقال الشافعي: إذا قال: أشهد الله، فإن نوى اليمين، فهي يمين، وإن لم ينوِ يمينًا، فلا شيء ـ وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: هي يمين. ... انتهى.

وهذا ما يظهر من كلام المالكية، فقد جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير المسماة: بلغة السالك لأقرب المسالك، قال في سياق سرد ما تنعقد به اليمين: وأقسم، وأشهد بضم الهمزة فيهما. إن نوى بالله، وأولى إن تلفظ به. انتهى.

ومن أهل العلم من يرى أنها ليست يمينًا، قال الحصفكي في الدر المختار -وهو حنفي-: وفيه - يعني في المجتبى ـ أشهد الله لا أفعل، يستغفر الله، ولا كفارة، وكذا: وأشهدك وأشهد ملائكتك؛ لعدم العرف. انتهى.

ومن حلف أن لا يمسّ زوجته تلك المدة المحددة؛ فهو مول، تجري عليه أحكام الإيلاء، إن قصد بالمسّ المحلوف عنه الوطء.

والإيلاء لغة: الحلف، ومنه قوله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى [النور:22].

وشرعًا: عرفه ابن عباس -رضي الله عنه- كما جاء في تفسير الطبري بقوله: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِامْرَأَتِهِ بِاللَّهِ لَا يِنْكِحُهَا، فَيَتَرَبَّصَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا، كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا، أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ: إِمَّا أَنْ يَفِيءَ فَيُرَاجِعَ، وَإِمَّا أَنْ يَعْزِمَ فَيُطَلِّقَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. انتهى.

وعليه؛ فأنت بهذا الحلف مول، تجري عليك أحكام الإيلاء.

وإن لمست زوجتك قبل انقضاء الفترة التي حددتها، لزمتك كفارة يمين.

والذي ننصحك به هو أن تصطلح مع زوجتك، وتعاشرها بالمعروف.

وإن كانت المدة لم تنقضِ بعد، فمسَّ زوجتك، وكفِّر عن يمينك، روى أَبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ. رواه مسلم، وغيره.

وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.

وإذا لم تحنث نفسك، ولم تمسّ زوجتك، وقد سكتت هي عن حقّها في الوطء؛ حتى انقضت تلك الفترة، فلا شيء عليك.

واستغفر الله تعالى من الإقدام على الإيلاء، ولا تَعُد له.

وللفائدة، راجع الفتويين: 129016، 308638.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني