الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من جرح في الحرب ثم مات بعد ذلك هل يعد شهيدا

السؤال

عندي سؤال لفضيلتكم أرجو الإجابة عليه وهو: شخص جرح في حرب وبعد ذلك توفي بسبب الجرح فهل يا ترى يعتبر شهيدا أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

أما من حيث الأجر والثواب فهو شهيد إن شاء الله تعالى. وقد بينا ثواب الشهداء في الفتويين: 32415، 32629.

وأما من حيث الغسل والتكفين والصلاة عليه فلا تجري عليه أحكام شهيد المعركة، بل هو كسائر الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه؛ لأن شهيد المعركة وحده هو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه عند جمهور العلماء، انظر تبيين الحقائق ،الذخيرة، روضة الطالبين، المغني.

ومن الأدلة على ذلك كقصة سعد بن معاذ رضي الله عنه، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا. رواه البخاري ومسلم.

أما رواية غسله فقد أخرجها ابن سعد في الطبقات، وحسن إسنادها الأرناؤوط في حاشية سير أعلام النبلاء.

فمع موت سعد بن معاذ رضي الله عنه بسبب جرحه في المعركة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله وصلى عليه، وهو معدود في الشهداء عند عامة العلماء .

ومن الأدلة أيضا: مارواه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ.

وقال الإمام مالك عقب الأثر السابق: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا. قَالَ مَالِك: وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ :وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. اهـ.

وقال ابن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الشـهيد إذا حمل حيًا -ولم يمت في المعترك، وعاش أقل شيء - فإنه يصلى عليه، كما صنع بعمر رضي الله عنه. اهـ. التمهيد.

ويشترط لنيل ثواب الشهادة أن يكون مسلما، ويقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، كما في حديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ. فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رواه البخاري ومسلم.

ولا نجزم لأحد بالشهادة إلا من شهد له الشرع بل نرجو ذلك ونقيده بالمشيئة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني