الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المستخير هل يمضي في أمره أم يعول على انشراح صدره

السؤال

ما هو حكم من استخارت ربها في إتمام الزواج على أحد الأشخاص، ثم تيسر الأمر بصورة كبيرة، وتمت الخطبة، ولكن بعدها تغير قلبها لذلك الشخص، وقالت إنها قد صلت استخارة ثانية، ولا تحس برغبتها في إتمام الزواج؟
فهل معرفة الخير بعد الاستخارة يكون بالهوى النفسي أم بالتيسير طبقا لما في دعاء الاستخارة؟
وهل الشر يكون بصرف النفس عن الآخر أم بصرف الأخر عنه أم بكليهما؟
وأخيرا ما قولكم في الحديث الحسن بعدم ترك من ترضون دينه وخلقه؟ وهل تعاقب من تركت حسن الخلق وتيسير الله بعد استخارتها نظير إحساس لها بأن إتمام هذا الأمر لن يسعدها؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاستخارة مندوب إليها في الزواج وغيره من الأمور المباحة، وقد تكلّم العلماء فيما يعتمده العبد بعد الاستخارة، هل هو انشراح الصدر وتيسّر الأمر؟ أم أنه يمضي في الأمر ولا يتركه إلا أن يصرفه الله عنه ؟ و الراجح عندنا أنّه يمضي في الأمر ولا يتركه إلا أن يصرفه الله عنه.

قال في مرعاة المفاتيح: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة. فقيل: يفعل ما بدا له ويختار أي جانب شاء من الفعل والترك، وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله يكون خيره ونفعه، فلا يوفق إلا لجانب الخير، وهذا لأنه ليس في الحديث أن الله ينشئ في قلب المستخير بعد الاستخارة انشراحاً لجانب أو ميلاً إليه. كما أنه ليس فيه ذكر أن يرى المستخير رؤيا أو يسمع صوتاً من هاتف أو يلقى في روعه شيء، بل ربما لا يجد المستخير في نفسه انشراحاً بعد تكرار الاستخارة، وهذا يقوي أن الأمر ليس موقوفاً على الانشراح. وفي الجملة المذكورة في الحديث إنما هو أمر للعبد بالدعاء بأن يصرف الله عنه الشر، ويقدر له الخير أينما كان، وهذا اختاره ابن عبد السلام حيث قال: يفعل المستخير ما اتفق، واستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره: ثم يعزم، وأول الحديث: إذا أراد أحدكم أمراً فليقل. وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني: إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير وإن لم تنشرح له نفسه. وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس.

وأمّا عن قوله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. فهو يدلّ على أنّ المعيار الصحيح في اختيار الزوج هو الدين والخلق.

وأمّا عن رفض الفتاة لمن تقدّم إليها من ذوي الدين والخلق لشعورها بعد الاستخارة بأنّ هذا الزواج لن يسعدها، فإنّه وإن كان هذا ليس هو المسلك الصحيح، إلّا أنّه لا إثم عليها في ذلك، لكنّ المبالغة في هذا الأمر قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه من تقدّم العمر وتقليل فرص زواجها.

فالذي ننصح به هذه الفتاة أنه إذا تقدم إليها ذو دين وخلق ووجدت قبولا له، فعليها بالاستخارة، ثم لا تلتفت بعد ذلك لما يعرض لها من الشعور بالضيق، ما لم يستند إلى سبب واضح، ولتعلم أنها ما دامت صدقت في الاستخارة، فإن الله سيختار لها الخير، وسيصرف عنها الشر سواء بصرفها هي عن الشر أو بصرف الشر عنها.

وللفائدة راجع الفتوى رقم: 6253.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني