الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الواجب أداء المبلغ نفسه لا قيمته أو قيمة جزء من المحل

السؤال

توفي والدى وترك محلا تجاريا كان قد ابتدأ به1998 بمال من صديق أجنبي-أمريكي-على سبيل السلف وليس تشغيل مال، وسافر هذا الصديق وانقطعت أخباره ولا نعرف له أي أقارب، سألنا كثيرا ولم نستدل على أحد. المهم نصيبه من المال الآتي من البيع هل يكون مساو للقيمة التى استلفها والدي؟ وهل يجوز أن ننشئ أي منفعه كصدقة جارية بقيمة المبلغ مسجد مثلا أرجو الإفاده أثابكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما دام المبلغ الذي أخذه والدك من ذلك الرجل هو سلفة وليس مضاربة، فالمبلغ دين في ذمته له حتى يؤدى إليه . والواجب هو أداء المبلغ نفسه لا قيمته أو قيمة جزء من المحل ونحوه. لما قرره الفقهاء من أن المدين إنما يلزمه قضاء ماثبت في ذمته وقت التحمل، بغض النظر عن قيمته وقت الأداء، سواء ارتفعت قيمته بعد وقت التحمل، أو انخفضت . لكن إن لم يمكن الوصول إلى الرجل لانقطاع خبره، وغلب على الظن الإياس منه فيتصدق بالمبلغ ويصرف في مصالح المسلمين، وإن جاء الرجل يوما من الدهر خير بين إمضاء الصدقة أو رد المبلغ إليه.

قال صاحب الزاد: وإن جهل ربه تصدق به عنه مضموناً.

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو أيس من وجود صاحبها فإنه يتصدق به، ويصرف في مصالح المسلمين. وكذلك كل مال لا يعرف مالكه من المغصوب، والعوادي، والودائع، وما أخذ من الحرامية من أموال الناس، أو ما هو منبوذ من أموال الناس كان، هذا كله يتصدق به، ويصرف في مصالح المسلمين.

وحتى لو كان صاحب الدين كافرا فإن الصدقة به عنه تنفعه في حياته لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً ، يُعطى بها في الدنيا ، ويُجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر : فيُطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها.

قال الطبري رحمه الله: من عمل عملاً صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجراً في الدنيا: يصل رحماً, يعطي سائلاً, يرحم مضطرّا في نحو هذا من أعمال البرّ يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا, ويوسع عليه في المعيشة والرزق, ويقرّ عينه فيما خوّله, ويدفع عنه من مكاره الدنيا في نحو هذا, وليس له في الاَخرة من نصيب.

وننبه هنا إلى أنه يجب إخراج ذلك المبلغ وغيره من ديون الميت مما ترك قبل قسمة تركته، لقول الله تعالى: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ. {النساء:12}. وتجب المبادرة إلى ذلك لأن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه لما روى أحمد في المسند عن جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خطوة، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن بردت عليه جلدته. وصححه الأرنؤوط.

قال الشوكاني: فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه. انتهى.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني