الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكمة تشريع عقوبة اللواط، ومسألة دخول التائب منها الجنة، وحكم لفظة اللواط

السؤال

سؤالي: هل يجوز الزنا لشخص يريد الوقاية من عمل قوم لوط عليه السلام؟
السؤال غريب ولكني تعرضت للتحرش الجنسي في صغري، وقد قرأت عن سبب تشريع حكم قتل الإنسان الذي عمل عمل قوم لوط في الإسلام وهو لأنه يستحيل علاج هذه المشكلة، وأنا والله لا أريد أن أزني ولكن أريد أن أتخلص من هذه المشكلة. وهل يجوز أن أقول لوطي أو لواط؟ أنا أعتبرها إساءة للنبي لوط عليه السلام مع أنها مذكورة في بعض كتب الفقه؟ وشكرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فراجع في جواب السؤال الأول الفتوى رقم: 102701. وراجع في علاج رذيلة اللواط، الفتوى رقم: 30444.
وأما ما تعرض له السائل من ذكر حكمة تشريع عقوبة فاعل هذه الفاحشة بالقتل، فقد قال ابن القيم في (الجواب الكافي): في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد، ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى، فإنه يفسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا، ويذهب خيره كله، وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه، فلا يستحي بعد ذلك من الله ولا من خلقه، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن .. اهـ.
ولكن مع هذا فالتوبة معروضة على كل خطاء، وقد تعرض ابن القيم بعدها لخلاف العلماء في دخول الجنة للمفعول به، ثم قال: والتحقيق في المسألة أن يقال: إن تاب المبتلى بهذا البلاء وأناب، ورزق توبة نصوحا وعملا صالحا، وكان في كبره خيرا منه في صغره، وبدل سيئاته بحسنات، وغسل عار ذلك عنه بأنواع الطاعات والقربات، وغض بصره وحفظ فرجه عن المحرمات، وصدق الله في معاملته، فهذا مغفور له وهو من أهل الجنة، فإن الله يغفر الذنوب جميعا، وإذا كانت التوبة تمحو كل ذنب، حتى الشرك بالله وقتل أنبيائه وأوليائه والسحر والكفر وغير ذلك، فلا تقصر عن محو هذا الذنب، وقد استقرت حكمة الله تعالى به عدلا وفضلا أن: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنى، أنه يبدل سيئاته حسنات، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب. اهـ.
وهذا كاف في فتح باب التوبة لمن وقع في هذه الفاحشة، وإن كلفه ذلك جهدا جهيدا، فسلعة الله غالية، وراجع الفتوى رقم: 16688.
وأما تسمية هذه الفاحشة باللواط وتسمية فاعلها باللوطي، فهذه نسبة إلى قوم لوط لا لنبي الله لوط عليه السلام، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 4640. وقد بحث هذه المسألة العلامة بكر أبوزيد في كتابه (معجم المناهي اللفظية) وانتصر لصحة هذه التسمية، وكان مما قال: وقد أجمع على إطلاقها العلماء من غير خلاف يُعرف. فالفقهاء يعْقِدون أحكام اللواط، واللوطية، في مصنفاتهم الفقهية، والمفسرون في كتب التفسير، والمحدثون في شرح السنة، واللغويون في كتب اللغة ... ولهذا فلا تلتفت إلى ما قاله بعض من كتب في قصص الأنبياء عليهم السلام من أهل عصرنا، فأنكر هذه اللفظة: اللواط .. اهـ.
ومع ذلك فقد ختم بحثه بعد ذلك بقوله: وبعد تقييد ما تقدم تبين لي بعد استشارة واستخارة، أن جميع ما قيدته من استدلال استظهرته لا يخلو من حمية للعلماء الذين تتابعوا على ذلك، والحمية لنبي الله لوط عليه السلام وهو معصوم، أولى وأحرى، والله سبحانه وتعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:60] فكيف ننسب هذه الفعلة الشنعاء: ((الفاحشة)) إلى نبي الله: لوط عليه السلام، ولو باعتباره ناهياً، ولو كان لا يخطر ببال مسلم أدني إساءة إلى لوط عليه السلام؟ ولعل من آثار هذه النسبة أنّك لا تجد في الأعلام من اسمه لوط إلا على ندرة. فهذا - مثلاً - ((سير أعلام النبلاء)) ليس فيه من اسمه لوط، سوى واحد: أبو مخنف لوط بن يحيى. هذا جميعه أقوله بحثاً لا قطعاً، فليحرره من كان لديه فضل علم زائد على ما ذكر؛ ليتضح الحق بدليله. اهـ.
وعلى أية حال فلفظ اللواط واللوطي لم يأت لا في كتاب ولا في سنة، فالقرآن يسميه: الفاحشة، والنبي صلى الله عليه وسلم يسميه: عمل قوم لوط، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط. رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني