الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخلع واقع والطلاق بعده لغو، وكيف ترجع زوجتك لعصمتك

السؤال

أنا رجل متزوج, وأقيم في أوروبا, وقد كانت زوجتي في أغلب الأيام تتكلم عن الناس بسوء ونميمة وغيبة, وحاولت أن أمنعها فلم أستطع, فقلت لها: (هذا حرام, ولا يجوز) فغضبت, وكانت تريد الذهاب إلى أهلها, فاتصلت بأهلها وأتى عمها, وقال: (ما بكم؟) فأخبرته بجميع ما يزعجني, وهي كذلك تحدثت عن كل شيء, وسمع عمها كل الكلام, وبعدها قال: (طلِّقها؛ لأنه لا يوجد لديّ وقت, وعليّ الذهاب) فقلت له: (أنا اتصلت بك لكي تساعدنا على حل مشاكلنا, وليس لتقطع علاقتنا) قال: (أنت وزوجتك, أنا لا أتدخل) وأنا عصبي وزوجتي عصبية, وكنا شبه فاقدين الوعي, فقالت: (طلقني), فرفضت, وصرخ عمها في وجهها وقال لها: (أعطي زوجك المجوهرات) فرفضت, وأصرَّ عمها مع الصراخ المتواصل أن تترك الذهب, وتركت الذهب, وقال: (هل أنت موافق على: خلع, فسخ, طلاق, انفصال) - لم يحدد شيئًا - فقلت له: (نعم موافق, لكن بشرط أن تخرج زوجتي من البيت, وأن لا تأخذ أي شيء حتى ملبسها) فقال عمها:(أعطها قليلًا من ملبسها) فقلت له: (موافق) لكن زوجتي أخذت مفاتيح سيارتي وصوري ومفاتيح البيت, وأنا كنت قد اشترطت أن تأخذ قليلًا من ملبسها فقط لا غير, وبعدها بأيام سألت كثيرًا من المشايخ فقالوا لي: (هذا الخلع أو الفسخ لا يجوز؛ لم تقسموا بالعدل, ولم يدخل هذا الرجل للصلح, وكانت المشكلة حامية في وقتها, وأنا لم أتلفظ بأي شيء مثل: خالعتك, فقط عمها يتكلم, وليس له صلة بالدين) وقالوا لي: (هذا لغو ومحلول) وبعدها اتصلت بزوجتي لكي أتكلم معها, وكانت أمها تشتم, وعمها أيضًا, وقلت لزوجتي: (ارجعي لبيتك, أنا زوجك, وأحبك, وكلام طيب) وزوجتي اقتنعت, وبدأت تعاتبني, وكانت تريد الرجوع, لكن الناس الذين عندها لا ترحم, فغضبت أنا وزوجتي وطلقتها على الهاتف, وسألت إمام المسجد فقال لي: (الطلاق وقع), فقلت له: (يعني هي الآن ليست زوجتي) قال: (هذه أول طلقة لك, ومن حقك ترجعها بعلمها أو بغير علمها) وأرجعتها أمام اثنين من الشهود, علمًا أن عمها يقول لي الآن: (خلصت الثلاث شهور, يجب عقد جديد, ومهر جديد) علمًا أن المشكلة حصلت خلال أسبوع, وقد أرجعتها الأسبوع الثاني قبل انتهاء الثلاثة أشهر, وهناك شهود, فقلت لهم: (لان ما زالت زوجتي, بصراحة أنا ظروفي المادية على قد حالي - والحمد الله والشكر -) لكنهم يريدوني أن أخسر, فهل ما زالت زوجتي؟ وما حكم ذهاب المرأة إلى الأعراس دون علم زوجها؟ وما حكم الذي يفتي الناس بغير علم بأن يفتي بأن السرقة حلال؟ وما حكم من يحرض زوجتي عليّ؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يظهر لنا - والله أعلم - أن الخلع قد وقع صحيحًا, وبانت منك زوجتك به, فلا تملك رجعتها، ولا عبرة بكون عمها لم يقصد الصلح, أو كونه جاهلًا بأحكام الشرع، فما دمت قد رضيت بفراق زوجتك على أن تتنازل لك عن منقولاتها, وخرجت زوجتك تاركة لك المنقولات فقد وقع الخلع، فإن العبرة في العقود بالمقاصد والنيات، وقد اعتبر بعض الفقهاء مجرد بذل العوض من المرأة خلعًا، قال الحطاب المالكي - رحمه الله -: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ, بَلْ تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ, وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا فَانْقَلَبَتْ، وَقَالَ: ذَلِكَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُسَمَّيَا طَلَاقًا فَهُوَ خُلْعٌ. انْتَهَى.

وجاء في المغني لابن قدامة - رحمه الله -: فإذا قبل الفدية، وأخذ المال، انفسخ النكاح؛ لأن إسحاق بن منصور روى, قال: قلت لأحمد: كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال، فهي فرقة, وقال إبراهيم النخعي: أخذ المال تطليقة بائنة, ونحو ذلك عن الحسن, وعن علي - رضي الله عنه - من قبل مالًا على فراق فهي تطليقة بائنة، لا رجعة له فيها.

وعليه؛ فما دامت زوجتك قد بانت منك فلا تملك رجعتها إلا بعقد جديد، وما وقع منك من طلاقها فهو باطل، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ بِحَالٍ, وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَابْنُ الزُّبَيْرِ, وَعِكْرِمَةُ, وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ, وَالْحَسَنُ, وَالشَّعْبِيُّ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَإِسْحَاقُ, وَأَبُو ثَوْرٍ .......... وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَاجِهَهَا بِهِ, فَيَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ, أَوْ لَا يُوَاجِهَهَا بِهِ, مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ.

ومثل هذه المسائل ينبغي أن تعرض على المحكمة الشرعية - إن وجدت - وإلا فعلى أهل العلم الموثوقين الذين يمكنك مشافهتهم في المراكز الإسلامية.

وأما عن ذهاب المرأة إلى الأعراس بغير إذن زوجها فغير جائز، ولا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلى أي موضع - لغير ضرورة - إلا بإذن زوجها, وانظر الفتوى رقم: 95195.

وتحريض المرأة وإفسادها على زوجها والسعي في التفريق بينهما معصية كبيرة, ومنكر عظيم، قال ابن تيمية: فَسَعْيُ الرَّجُلِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا مِنْ الذُّنُوبِ الشَّدِيدَةِ, وَهُوَ مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ, وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ.

ولا يجوز لأحد أن يفتي الناس بغير علم, فإنّ خطر الفتوى عظيم, وانظر في ذلك الفتوى رقم: 14585، والفتوى رقم: 37492.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني