الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حق الوالدين على الأولاد لا يسوغ ظلمهم، ولا يسقط برهما

السؤال

أنا امرأة غير متزوجة، تجاوز عمري الثلاثين، واقتربت من الأربعين، وأعيش في بيت أهلي, وقبل أن أطرح سؤالي أريدكم أن تعلموا مشكلتي بالتفصيل حتى تتفهموا حالي قبل أن تستعجلوا في حكمكم.
إخواني أنا أعاني أنا وأختي العشرينية التي تصغرني بكثير ظلما عظيما من أهل بيتي, نحن نعاني منهم منذ أن كنا صغارا، ولكن قد ازداد الحال جدا في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب أختي التي لم يسلم أحد من حقدها وحسدها، وهي أساس ما يحدث في البيت من مصائب, فقد أصابها الله بمصيبة لن أذكرها بالتفصيل, أكتفي بقول إن الله لم يكتب لها الاستقرار في زواجها، وعادت للعيش معنا في البيت, وهنا بدأت المشاكل منذ عودتها والحديث سيطول إن فصلت عن أفعالها, لهذا سأكتفي بقول إنها حاولت مرة التفريق بين والدي زوجها انتقاما منهما، ونصحناها بالعدول عن ذلك, وبسبب أنها لم تتقبل رأينا افترت علينا بالكذب عند والدينا حيث إنهما يفرقان في معاملتنا؛ لأنها إن فعلت مصيبة لا يكلمونها ولو كانت عاصية، وليس لأحد الحق في نصحها أو إغضابها، طبعا أختي استغلت هذا الأمر لصالحها, وأصبحت تتعمد أذانا بالضرب، وشتمنا وقذفنا, إذا رددنا عليها تعمدت البكاء، واختلقت الأكاذيب. والداي -سامحهما الله- يصدقانها في كل كلمة حتى وصل الأمر بوالدي إلى إهانتنا إرضاء لها, يعني مثلا في أي يوم نسكتها بالكلام تجلس أختي مع والداي وتجعلها يحقدان علينا، وفي اليوم التالي يصرخ والدانا في وجهنا لأتفه سبب, طبعا أنا بطبيعتي لا أستطيع السكوت بل أرد على الظلم وأقول الحق: يا أبي حرام عليك إنها تكذب عليكم في كل كلامها، هذا ظلم حرام عليكم اتقوا الله, وأعترف أنني بسبب الانفعال أرفع صوتي؛ لأن والداي يرفعان صوتيهما علي حتى يسكتاني ويمنعاني من الكلام, يطعنني والدي بعد ذلك بكلامه عندما يقول: أنا وأمك لنا كامل الحق في ظلمك؛ لأننا والداك، ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما. أرد عليه وأقول: لا، هذا حرام ! الله قد حرم الظلم على نفسه فكيف تحلله لنفسك ؟ فيقول أنا أمير البيت وليس لأحد الحق أن يفتح فمه ولو كنت على معصية. أرد عليه: نحن لم نعد صغارا لنا الحق أن نتكلم لا تريدنا أن نتكلم أبدا ؟ فيقول نعم تدخلي الكلام من أذن وتخرجيه من الأذن الأخرى ! والله إنني أبكي بعدها بحرقة، وأعترض اعتراضا شديدا على قسوته، فيصل به الأمر إلى الضرب المبرح، وأخي يعاونه في ضربي، ويطلب منه والدي أن يضربني وهو يصغرني بقرابة سبع سنوات ! وصل بوالدي الأمر أن يقول: يحل لي قتلها فهي عاقة ! مستشهدا بحديث " لا يقتل والد بولده ". أختي العشرينية المسكينة تحاول أن تردهم عني دائما، ونتيجة لذلك يمنعها من الكلام معي ويقول: أنت تفسدينها بفسوقك هي لم تكن هكذا؛ لأن أختي كانت تخاف من والدي خوفا شديدا، وكانت الوحيدة في البيت التي تخاف من الرد على الرغم من نكرانها لظلمهما في قلبها. وعندما تدافع عني وتقول الحق يؤذونها، ويهددونها بعدم إكمال دراستها. ما يزيد الأمر سوء أمي, لا تكتفي بمعاونة والدي في ضربي بل تصرخ وتقول: والله لأجعلنك تحت جزمتي، وأدعس عليك برجلي. وعند ما يضربني أخي وأحاول الدفاع عن نفسي وأضربه تقول والدتي: أنت فاجرة تضاربين الرجال، وهي والله مرة من المرات حاولت أن تضرب السائق بالعصا في الشارع أمام الناس، وصوتها كله مرتفع بسبب حادث غير مقصود قام به السائق, وتسلط والدي علينا بالكذب فتقول: بنات فلان يسلطنها، والله العظيم مسلطة علينا, مشيرة إلى بنات وزوجات أعمامنا، وترميهن حتى بالزنا والفجور، مع العلم والله أننا لاعلاقة لنا بهن، وليست لدينا أرقامهن حتى نتواصل معهن، وإن كانت لدينا لا نستطيع الكلام معهن إلا نادرا خوفا من شر والداي, فهما يريداننا أن نحقد على أقاربنا، ونقاطعهم بحجة أنهم قد يشمتون بنا، ونحن نرفض ذلك رفضا قاطعا حتى وإن كان لهم بعض الهفوات. اتهمني أبي مرة أني أحادث الشباب، وأمي تتهمني بأنني أبحث عن رجل، وهما لا يدريان أن أخي يحادث البنات في النت، وأختاي تسمعان الغناء. وعندما أقول له ذلك يقول: أنت تفترين عليهم، ولو كنت صادقة أسمح لهم ولا أسمح لك، واتهمني أنا وأختي الصغرى أننا نمارس ما يغضب الله معا, قام بفصل جوالي، واتهامي أن لي مكالمات مشبوهة، وفوق كل ذلك يدعو علي إذا حدثت مشكلة. وفي رمضان، وفي يوم جمعة وبعد الإفطار بأن يصيبني الله بسرطان الثدي, وأمي تدعو علي بأن يعمي الله بصري. كل ذلك لأنني أرد عليهم لأعترض على ظلمهم .أنا على هذا الروتين اليومي لثلاث سنوات، وأعترف أني بسبب ظلمهم تماديت وأصبحت أنفعل بسرعة حتى قلت لوالدي وهو يهددني بالضرب: سأضربك إذا ضربتني, وأفعال أخرى لا أستطيع البوح بها.
وبعد أن عرفتم حالي سؤالي: الرد على الوالدين الظالمين أو الدعاء كقول: " اللهم اكفني شرهما، وخذ حقي منهما بإظهار الحق" أو الدفاع عن نفسي عند الضرب هل هو عقوق ؟
أريحوني أراح الله بالكم؛ فإنني كلما تبادر هذا السؤال إلى ذهني أبكي بحرقة، وأعتصر ألما خوفا من العقوق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن حق الوالدين عظيم، وبرهما من أو جب الواجبات. كما أن عقوقهما من أكبر الكبائر، فاحذري من عقوق والديك واحرصي على برهما وطاعتهما في المعروف، لكن مكانة الوالدين وحقهما العظيم على الأولاد لا يسوّغ لهما ظلم الأولاد، فالظلم محرم على كل أحد، فكما أن للوالدين حقا فللأولاد حق، وكل مسؤول أمام الله، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ........ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ..."متفق عليه.

وعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بيته. صحيح ابن حبان.
وإساءة الولدين وظلمهما لا تسقط حقهما على الأولاد، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، وانظري الفتوى رقم: 114460
وعليه؛ فلا يجوز لك رفع الصوت على والدك، لكن لك أن تتخلصي من ضربه وأذاه بالهرب ونحوه، إذا أمكن؛ وتراجع الفتوى رقم: 151685ولا يجوز لك الدعاء على والديك، أما قولك : " اللهم اكفني شرهما " ونحو ذلك فلا حرج فيه.

قال الشيخ ابن باز –رحمه الله- حين سئل عن الدعاء على الأب الظالم: لا يجوز لك الدعاء عليه، ولكن تقولين: اللهم اهده، اللهم اكفنا شره، حسبنا الله ونعم الوكيل لا بأس، أما الدعاء عليه لا ..."

وانظري الفتوى رقم: 59562
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني