الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقوبة مانع الزكاة دنيوية وأخروية

السؤال

الزكاة واجبة على المسلم، وهي ركن من أركان الإسلام. فهل تعاقب الدولة من لا يدفع الزكاة أم إن العقاب فقط في الآخرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مانع الزكاة يعاقب في الدنيا وفي الآخرة، وعلى الدولة أن تعزره بما تراه مناسبا.
ففي حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني: وإن لم يظهر الممتنع مالا وهو معروف بالملاء، للإمام سجنه حتى يظهر ماله؛ لأنه من حق الفقراء، والإمام ناظر فيه.
وفي المغني لابن قدامة: وإن منعها معتقدا وجوبها, وقدر الإمام على أخذها منه, أخذها وعزره ..."
ولمزيد من التفصيل نقول: من منع زكاة ماله بخلا لا جحودا، فإما أن يكون في قبضة الدولة أو خارجا عنها، فإن كان في قبضتها فإن الزكاة تؤخذ منه قهرا ويعاقب، واختلف العلماء في معاقبته بأخذ نصف ماله معها على قولين، والجمهور على عدم ذلك.
أما إن كان خارجا عن قبضة الدولة، فإنه يقاتل عليها كما قاتل أبو بكر مانعي الزكاة.
وأما إن كان جاحدا لوجوبها فإنه يعرّف بحكمها إن كان جاهلا، وإلا فيحكم بكفره ويكون كسائر المرتدين.
قال ابن قدامة في المغني: فمن أنكر وجوبها جهلا به, وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام, أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار , عرف وجوبها, ولا يحكم بكفره; لأنه معذور. وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد, تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا, فإن تاب وإلا قتل; لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة, فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله, فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة, وكفره بهما..

وإن منعها معتقدا وجوبها, وقدر الإمام على أخذها منه, أخذها وعزره...
فأما إن كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله; لأن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعيها, وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. اهـ. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن مانع الزكاة إذا أخذت منه قهرا لا يؤخذ معها من ماله شيء . وذهب الشافعي في القديم, وإسحاق بن راهويه, وأبو بكر عبد العزيز من أصحاب أحمد إلى أن مانع الزكاة يؤخذ شطر ماله عقوبة له, مع أخذ الزكاة منه. واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون, لا تفرق إبل عن حسابها, من أعطاها مؤتجرا فله أجرها, ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا, لا يحل لآل محمد منها شيء } . ويستدل لقول الجمهور بقول النبي صلى الله عليه وسلم: { ليس في المال حق سوى الزكاة }. وبأن الصحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا نصف أموال الأعراب الذين منعوا الزكاة. الموسوعة الفقهية.

وانظر الفتوى رقم: 14756
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني