الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المضارب إذا أخذ نفقة بغير إذا صاحب المال، وكيف تفض الشركة؟

السؤال

أرجو قراءة رسالتي بتمعن، فلا أريد أن أَظلم أو أُظلم - بإذن الله -. لقد قمت أنا وثلاثة من أقربائي بتأسيس شركة تعمل في مجال أنظمة الأمان الإلكترونية برأس مال 180000 ريال، وكانت الحصص موزعة كالتالي:
• الشريك الأول - وهو شريك رأس المال – وله نسبة 25% من الأرباح، وهو لم يكن يعمل معنا، فقد زودنا برأس المال، وكان له عمل آخر.
• الشريك الثاني- أنا - وكنت شريكًا بجهدي فقط، ونسبتي هي 35%، وكنت أنا المسؤول عن الشركة.
• الشريكان الثالث والرابع شريكا جهد أيضًا، وكانت حصة كل واحد منهما 20%.
وبعد أن قبضنا مبلغ رأس المال من الشريك الأول، قمنا بصرف المبلغ في تجهيز الشركة - مكاتب، وسيارات، وعدد، وغيرها - وبعدها باشرنا العمل، وبعد ثلاثة أشهر حصل خلاف بيننا - شركاء الجهد، وشريك رأس المال - وإحدى تلك المشاكل أنه كان يرفض أن نصرف على أنفسنا من المال الذي كنا نجنيه؛ لأنه قد يضر برأس المال، وأنه يتوجب أولًا إرجاع رأس المال الذي صرفناه، ولكن هذا الشيء كان من المستحيل؛ لأنه لم تكن لنا مصادر رزق أخرى، وكان أحدنا متزوجًا وله أولاد، فكل منا كان يسحب حسب حاجته الماسّة فقط، فحصلت بعض المشاكل بيننا، وعلى ضوء تلك المشاكل وخلافات أخرى - لا أذكرها تمامًا - طالبنا شريك رأس المال أن نرجع له ماله - 180000ريال - أو أن نفض الشراكة، ونبيع محتويات الشركة، ونعطيه ثمنها عوضًا عن رأس المال؛ فكان تنفيذ طلبه شيئًا غير يسير علينا، خاصة أنه لم تكن لدينا مصادر رزق أخرى، ولم يكن هذا المبلغ متوفرًا لدينا، ولكن بالفعل قمنا أنا والشريك الثالث بالبحث عن شريك رأس مال آخر بديل عنه؛ لننقذ الشركة من الخراب، ولكي لا يخسر شريك رأس المال ماله؛ لأن خسارته ستكون فادحة وقتئذ، وفعلًا استطعنا أن نجد شريك رأس مال آخر، - والد الشريك الثالث - وبالفعل زودنا والده بنفس المبلغ - 180000 ريال - وأعطيناها لشريك رأس المال الأول بالكامل؛ وبهذا رجع له كامل ماله، وقد دامت شراكتنا مع شريك رأس المال الأول ثلاثة أشهر، وهو الآن يطالب بربح تلك الفترة، مع التنويه أننا في تلك الفترة حققنا أرباحًا غير صافية - 98000 ريال تقريبًا - وبعد دفع المصاريف - رواتب عمال، وفواتير، وغيرها من المصاريف الأخرى - تبقى 60000 ريال تقريبًا، فهل هذا المبلغ - الستون ألفًا - يعد ربحًا؟ وهل له حق به؟ وما هو؟ ونحن حتى تلك اللحظة لم نسترجع رأس مالنا الذي صرفناه في تأسيس الشركة، فأرجو أن تفيدوني، فأنا لا أريد أن أظلمه، أو أن أظلم نفسي ومن معي، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ـ فنوصيكم أولًا بتقوى الله عز وجل، وصلة الرحم بينكم، وألا تؤدي الخلافات على دنيا فانية إلى قطيعة الرحم.

وكان الواجب عليكم عند الخلاف على النفقة أن تستفتوا أهل العلم، والفقهاء الأربعة متفقون على أن العامل ليس له نفقة حضرًا، وأنه أمين على مال المضاربة، فلا يحل له منها شيء إلا بإذن رب المال - شريك رأس المال - أو اشتراط من العامل، أو جريان العرف بذلك؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، قال أبو محمد في المحلّى شرح المجلّى: مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَلْبَسَ مِنْهُ شَيْئًا، لَا فِي سَفَرٍ، وَلَا فِي حَضَرٍ ... وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: أَمَّا فِي الْحَضَرِ فَكَمَا قُلْنَا ... فَإِنْ قَالُوا هُوَ سَاعٍ فِي مَصْلَحَةِ الْمَالِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ سَاعٍ لِرِبْحٍ يَرْجُوهُ، فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي حَظِّ نَفْسِهِ.

وبناء عليه، فما أخذتموه من نفقة بغير إذن صاحب المال يكون دينًا عليكم لرب المال، قال ابن سيرين: ما أكل المضارب فهو دين عليه. رواه عبد الرزاق في المصنف.

وإذا طلب شريك رأس المال - المالك - رأس ماله، فهذا معناه أن يريد فسخ للمضاربة، وله ذلك، فالمضاربة عقد جائز غير لازم، قال الموفق في المغني: والمضاربة من العقود الجائزة ، تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان. وهو ما بيناه تفصيلًا في الفتاوى: 48733، 62990، 80716.

وعند فسخ الشركة لا بد من تصفية الحسابات: وذلك بالتنضيض الحقيقي، أو الحكمي لمحتوياتها، أي تحويل موجوداتها إلى نقود، أو تقييمها بالنقود، وحيث إنكم اخترتم عدم التنضيض الحقيقي، فلا بد من الحكمي، وهو أن تقوِّم جهة مختصة قيمة الشركة تقويمًا عادلًا، وبعد خصم المصروفات من الإيرادات تضاف القيمة العادلة للشركة - من خلال التنضيض الحكمي - إلى باقي الإيرادات، وهذا الناتج على أساسه نعرف أن الشركة خسرت أم ربحت كالتالي:
1ـ إن كان هذا الناتج أكبر من رأس مال الشركة (180.000): فهذا يعني أن الشركة قد ربحت، وحيث إن المالك قد استلم رأس ماله، فيكون الباقي هو صافي الأرباح، تقتسمونه بينكم مع المالك حسب الاتفاق المبرم، اللهم إلا تكونوا عند فض الشركة قد تصالحتم مع المالك على أنه ليس له من الشركة شيء إلا رأس المال الذي أخذه، فيكون تنازلًا منه عن بعض حقه.
2ـ وإن كان الناتج أقل من رأس مال الشركة (180.000): فهذا يعني أن الشركة قد خسرت، والناقص هو قدر الخسارة، يتحمله رب المال وحده، فليس للمالك من المضاربة إلا هذا الناتج، ليس له أن يطالبكم بأكثر منه، وحيث إنكم أعطيتموه رأس المال كاملًا فلا بد أن يرد إليكم الفارق بين رأس المال وهذا الناتج، قال الشيخ منصور في الكشاف: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ.

نعم إن كنتم تصالحتم معه عند فض الشركة على أن له ما أخذ، وتتحملون الخسارة، فهذا تبرع منكم.
3ـ إن استويا فلا ربح ولا خسارة: فليس لرب المال عندئذ إلا رأس ماله، وقد أخذه، ويخسر الثلاثة جهدهم؛ لأن الربح وقاية لرأس المال، وعندئذ ليس له أن يطالبكم بشيء من الأرباح؛ إذ لا أرباح هناك.

وبهذا التفصيل يتبين لكم حال الستين ألفًا - محل سؤالكم -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني