الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترضي عن الصحابة.. دعاء أم إخبار، وحكم عبارة: رحمه الله ,غفر الله له

السؤال

ما المقصود بالألفاظ الآتية:
إذا قلنا: اللهم صلِ على محمد وآل محمد. وقلنا: صلى الله عليه وسلم، فإن الفعل (صلِ) في الجملة (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد) يعد فعل أمر وهو للدعاء. أليس هذا صحيحا؟
ولكن الفعل (صلى) في الجملة (صلى الله عليه سلم) فعل ماضٍ. فهل هي جملة إخبارية (أي المعنى منها أن الله قد صلى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أم هي أمر بصيغة الدعاء (أمر صادر من الأدنى وهو العبد إلى الأعلى وهو الله جل جلاله).
وإذا قلنا (رحمه الله), (رضي الله عنه), (غفر الله له), (حفظه الله), (رعاك الله), وكذلك عندما يقال للمسيء: (قبحك الله) وما إلى ذلك.
أي هل المقصود منها (اللهم ارحمه, اللهم ارض عنه, اللهم ارعه, اللهم احفظه, اللهم قبحه...).
ففي (رضي الله عنه) تحيرت, هل بسبب الآية الكريمة ((رضي الله عنهم ورضوا عنه)) فهذه الآية إخبارية. فهل نحن أيضا عندما نقولها يجب قصد الدعاء بها أم الإخبار لإثبات الرضى عنهم؟
وجزاكم الله عنا كل خير, وشكرا لكم ولجهودكم، فأنتم توفرون علينا عناء شديدا، وتختصرون لنا طريقا طويلا، جمعنا الله بكم في جناته ونعيمه ووقانا النار وأعتقنا منها.
أسألكم الدعاء لي ولأهلي بالتقوى، ورضا الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجملة:"اللهم صلِ على محمد.." أمر يراد به الدعاء، كما ذكرت؛ وراجع الفتوى رقم: 25329.

وكونها بفعل الأمر لا إشكال فيه؛ فإن الطلب أعم من الأمر؛ فطلب الأدنى من الأعلى دعاء له لا إيجاب عليه؛ وراجع الفتوى رقم: 49358، والفتوى رقم: 109726.

وأما جملة: "صلى الله عليه وسلم" فهو خبر مراد به الدعاء كما بالفتوى رقم: 36339.

وأما عبارات (رحمه الله), (رضي الله عنه) , (غفر الله له) , (حفظه الله) ونحوها؛ فهي خبر يراد به الدعاء، وهذا أسلوب بلاغي معروف، ونظيره "سمع الله لمن حمده"

قال القرطبي في المفهم: وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( سمع الله لمن حمده ): خبر عن الله تعالى باستجابة من حَمِدَه ودعاه، ويجوز أن يراد به الدعاء، فيكون معناه: اللهم استجب.

وجاء في فتاوى العثيمين-رحمه الله- : قول بعض الناس لمن توفي فلان المرحوم، أو المغفور له لا بأس به؛ لأنها ليست خبرًا، وإنما هي دعاء، ولا فرق بين قولنا فلان غفر الله له، أو فلان المغفور له، وكذلك فلان رحمه الله، وفلان المرحوم إذا قصدت الدعاء؛ لأن (المرحوم) اسم مفعول يدل على وقوع الرحمة، فلما كنت تسأل الله له الرحمة، صارت جائزة.

وأما بخصوص عبارة "رضي الله عنهم" أي عن الصحابة؛ فقد بينا بالفتوى رقم: 202132 استحباب الترضي عن الصحابة.

جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في أنه يستحب الترضي عن الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأنهم كانوا يبالغون في طلب الرضا من الله سبحانه وتعالى, ويجتهدون في فعل ما يرضيه, ويرضون بما يلحقهم من الابتلاء من عنده أشد الرضا, فهؤلاء أحق بالرضا. اهـ.

قال ابن كثير في تفسيره: وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون. انتهى.

وهل ذلك على سبيل الدعاء أم الإخبار؟

قال الشيخ عبد المحسن العباد-حفظه الله- في شرح سنن أبي داود: والترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو دعاء وليس إخباراً، وأما أصحاب الشجرة فهو إخبار بأن الله قد رضي عنهم، وليس دعاء، قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18]، فإذا قال الإنسان: رضي الله عنهم مخبراً وداعياً في حق هؤلاء، فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن القرآن جاء بالإخبار بأنهم قد رُضي عنهم. انتهى.

والخلاصة أنها تقال على سبيل الإخبار للصحابة، وبالأولى الدعاء، وأما غيرهم فعلى سبيل الدعاء، كما بينا بالفتوى رقم: 10967.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني