الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صلة القريب الفاسق وهجره

السؤال

متى يكون الإنسان قاطعاً رحمه؟ حيث إني سمعت من قبل أن قطع الرحم الذي يُعاقب عليه المسلم أمام الله سبحانه وتعالى لا يكون إلا حين تكون لديه مشاكل مع أهله، أما مجرد عدم السؤال عنهم فلا يدخله في كبيرة قطع الرحم، وإن كان ينقصه أجر عدم صلتهم، وسؤالي هذا لحضراتكم بسبب الأوضاع في بلادنا، وانقسام الناس إلى ما يشبه الفسطاطين، ومعاونة الكثير منهم للظالمين، وتأييدهم لقتل المسلمين انخداعًا بمفاهيم زائفة، أو كرهًا في طائفة من المسلمين، فأصبح المسلم لا يطيق أن يحسن لهم، كما كان في السابق، ويخشى أن يكثر الاحتكاك بهم والسؤال؛ فيظهر له منهم ما يؤدي إلى قطع الرحم تمامًا، وحدوث المشاكل معهم، فبعض المسلمين يريدون الحد الذي يتجنب به المرء قطع الرحم: هل مجرد جعل العلاقة عادية دون مشاكل، وفي نفس الوقت دون تحرٍّ للسؤال عنهم في كل مناسبة؟ وهل يأثم المرء على مثل هذا؟ أم إنه غير قاطع لرحمه، غير أنه لا يؤجر بثواب صلة الأرحام؟ خاصة أن تحاشيه إياهم من باب إظهارهم الرضى بقتل المسلمين، وتأييد الظالمين، وإن كانت عن غفلة منهم، أو عمد، فليس هذا محل البحث - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصلة الرحم واجبة، وقطعها محرم، بل من كبائر المحرمات، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.

وصلة الرحم وقطعها تختلف باختلاف الأحوال، والأعراف، وأدنى درجات الصلة السلام، فمن تركه فهو قاطع، فليس القطع مقصورًا على الإساءة إليهم، أو إيذائهم، وإنما يحصل القطع بتعمد هجرهم بالكلية.

جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: قَالَ مُثَنَّى: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ، فَلَا يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِمْ، وَفِي كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ؟ قَالَ: اللُّطْفُ، وَالسَّلَامُ.

وَفِي الْحَدِيثِ «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. اهـ.

وقال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلًا . نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.

وصلة الرحم واجبة للقريب ولو كان فاسقًا.

قال السفاريني: وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ لَهُ إخْوَةٌ، وَأَخَوَاتٌ بِأَرْضِ غَصْبٍ تَرَى أَنْ يَزُورَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ يَزُورُهُمْ، وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ. اهـ.

لكن يجوز هجر القريب الفاسق إذا ظهرت المصلحة في هجره؛ وراجع الفتوى رقم: 14139.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني