الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أنشأ مشروعًا فيه مخالفات، ثم تركه، وبقي المشروع، فهل عليه إثم؟

السؤال

كنت قد شاركت بعض أصدقائي في مشروع قاعة ألعاب بلايستيشن، وأنا من اقترح عليهم الفكرة، وقدموا لي المال، كل قدم لي نصيبًا، واشتريت أنا اللوازم والأجهزة، واقترحت عليهم محل الكراء - والحمد لله - ومنذ العشرة أيام الأولى قررت الانسحاب لما في هذا المشروع من كفر، وسب الجلالة، وميسر، وسماع الغناء، وأحسست أني لا يمكنني السيطرة على الحرفاء، رغم تعليقي لبعض أوراق وملصقات، فقررت الخروج، وأخبرت أصدقائي أن المال من المشروع هو مال حرام، ومن الأفضل غلق المشروع، فرفضوا ذلك، فأخذت رأس مالي، وأما باقي الربح فقررت التفريط فيه بنية التخلص منه، وسؤالي: المشروع الآن ما زال يعمل، فهل عليّ إثم في كل ما يحدث فيه من ميسر، وكفر بعد خروجي منه؟ أرجو أريد جوابًا حتى يطمئن قلبي.
وسؤالي الثاني: هل يمكنني أن أتصدق بربح المال الذي هو مال حرام بنية التخلص منه إلى شخص فقير؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك لمرضاته، وأن يزيدك هدى، وقد أحسنت بتركك لهذا المشروع، وثق ثقة تامة أنك إن تركته لله فسيعوضك الله خيرًا لك منه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرًا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.

ومضي شركائك في المشروع لا ضير عليك فيه، ولا جناح، وإن كنت سببًا في شروعهم فيه، على فرض أنك تعلم أن فيه إثمًا؛ فإن التائب لا يضره بقاء أثر معصيته الذي لا يقدر على إزالته.

قال القاري في مرقاة المفاتيح : قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم، وبقي العمل به، فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، أو لا لأن شرطها رد الظلامة، والإقلاع، وما دام العمل بدلالته موجودًا فالفعل منسوب إليه، فكأنه لم يرد ولم يقلع؟ كل محتمل، ولم أر في ذلك نقلًا، والمنقدح الآن الثاني. اهـ. والأظهر الأول، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد، ثم رد المظالم مقيد بالممكن، وإقلاع كل شيء بحسبه حتمًا، وأيضًا استمرار ثواب الاتباع مبني على استدامة رضا المتبوع به، فإذا تاب وندم انقطع، كما أن الداعي إلى الهدى إن وقع في الردى - نعوذ بالله منه - انقطع ثواب المتابعة له، وأيضًا كان كثير من الكفار دعاة إلى الضلالة، وقبل منهم الإسلام لما أن الإسلام يجب ما قبله، فالتوبة كذلك، بل أقوى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. اهـ.

وأما الأرباح التي كسبتها من جراء ذلك المشروع فيقال فيها : إن المحل والآلات ليست محرمة في ذاتها ، وكذلك الأجرة المكتسبة من تأجيرها ليست محرمة بإطلاق ، بل إن أجرت هذه الأشياء لمن يستعملها في مباح فأجرتها مباحة ، وإن أجرت لمن يُعلم أنه يستعملها في معصية الله فالأجرة محرمة ، قال ابن عثيمين :الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقا محرما كحلق اللحى، ويدل لذلك أن تأجيرها إعانة لهم على فعل هذا المحرم، وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر .اهـ. من فتاوى نور على الدرب.

والصدقة بما كان محرما من الأرباح بنية التخلص تبرأ بها ذمتك من تبعتها بإذن الله ، ويرى الإمام ابن تيمية أنه لا يلزمك التخلص من مثل هذه الأرباح ، جاء في الفروع : واختار شيخنا فيمن كسب مالا محرما برضا الدافع ثم تاب كثمن خمر ومهر بغي وحلوان كاهن أن له ما سلف للآية - يعني قوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، - ولم يقل الله: فمن أسلم ولا من تبين له التحريم .اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم : 125572 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني