الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بر الأم يتأكد مع كبر سنها وإن عصت، واستحباب الإحسان إلى الحماة

السؤال

أنا امرأة متزوجة منذ 4 سنوات وعندي طفل صغير ملتزمة بتعاليم الدين وأؤدي جميع الفروض والحمد لله كذلك زوجي ملتزم جدا ويرعى الله ومنذ زواجنا ونحن نقيم مع والدته التي تبلغ من العمر 68 عاما وهي غير ملتزمة دينيا إطلاقا فلا تصلي ومتبرجة ولم تقم بصيام رمضان طيلة حياتها وإلى الآن تصر على الإفطار في رمضان متعللة أنها تتعب جدا إذا لم تتناول قهوة الصباح والسجائر والأكثر من ذلك أنها تزوجت منذ سنوات طويلة من شخص بعد وفاة والد زوجي وطلقت من هذا الشخص منذ حوالي 15 عاماً بعد أن اكتشفت خيانته لها المشكلة أن هذا الشخص يأتي لزيارتها في المنزل و يغلقون باب الغرفة عليهم لساعات طويلة وهي تنبه على(الشغاله) لكي لا تدخل الغرفة عليهم ويقضون ساعات طويلة ومعهم زجاجة الخمر لدرجة أنهم خرجوا من الغرفة سكارى بشدة ولكي لا تتعرض للإحراج تقول لي إنهما كانا أغلقا الحجرة لأشغال بينهما.
زوجي عندما يعلم أن هذا الشخص موجود بالمنزل يتعمد التأخر في عمله حتى لا يتعرض للإحراج وعندما أسأله عن سبب زيارة هذا الشخص يقول لي إنه صديق العائلة ويتحاشى أن يترك لي فرصة أن أتكلم في هذا الموضوع وعندما اعترضت على وجود زجاجات الخمر وشربها للخمر في المنزل قال لي هي حرة هذا شيء يخصها ونحن ليس من شأننا بالرغم من أننا نعيش معها بنفس الشقه زوجي يخاف من مواجهة أمه فهي متجبرة ومتحكمة فيه ماديا لأنه عندما مات والده كان هو وأختاه صغاراً فكتبت كل الإرث باسمها وإلى الآن كل شيء باسمها ولم يأخذوا أي شيء من إرث أبيهم بالرغم من أن كلهم تزوجوا وعندهم أولاد.
وزوجي يطيعها طاعة عمياء ويقول لي إن الجنة تحت أقدام الأمهات وإنها في آخر عمرها يلزم أن تكون راضية عنه، هل يا سيدي فعلا الجنة تحت أقدام جميع الأمهات بمن فيهم هذا النموذج من الأمهات؟ وهل الطاعة من زوجي بهذا الشكل والتجاوز وتجاهل كل ما تقوم به من أفعال غريبة والخوف من مواجهتها ما موقف الدين من زوجي علما أن زوجي ملتزم جدا ويخاف الله
أما عن موقفي فأنا لا أحبها وأتجنبها وأتجنب الحديث معها وإذا مرضت أو احتاجت لمساعدة لا أساعدها لأني أشعر أنها لا تستحق هل أنا مخطئة ومذنبة؟
والله أنا لا أتجنى على هذه السيدة (حماتي) في شيء والله يشهد على ذلك ووصفت كل ما تقوم به من أفعال بكل أمانة سيدي أرجو الإفادة مع الشكر

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فأما مقولة: "الجنة تحت أقدام الأمهات" فقد وردت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: الجنة تحت أقدام الأمهات من شئن أدخلن ومن شئن أخرجن رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال العقيلي: هذا منكر، وقال الألباني: موضوع، لكن جاء بمعناه حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها رواه النسائي وغيره، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقره المنذري وحسن إسناده الألباني ورواه ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة بلفظ آخر، وفيه: قال: ويحك؛ أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك؛ الزم رجلها فثم الجنة، قال السندي في شرح سنن ابن ماجه: قال السخاوي: إن التواضع للأمهات سبب لدخول الجنة، قلت: ويحتمل أن المعنى أن الجنة أي نصيبك منها لا يصل إليك إلا من جهتها، فإن الشيء إذا صار تحت رجلي أحد فقد تمكن منه، واستولى عليه بحيث لا يصل إلى آخر إلا من جهته. انتهى.

ومن هنا تعلمين أيتها الأخت السائلة أن الجنة حقاً تحت أقدام الأمهات، وأن الإحسان إلى الأم، وبذل الوسع في إرضائها من آكد الأسباب التي توصل إلى الجنة، وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، بل الظاهر أن الحكم ينسحب كذلك على الأمهات المشركات، وذلك لعموم حديث معاوية بن جاهمة حيث لم يستفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم عن حال أمه، وإنما قال له: ألك أم؟ أو أحية أمك كما في الرواية الثانية، وهو يشمل أي أم، سواء كانت صالحة أو طالحة، أو مؤمنة أو مشركة، ولأن الله قال في محكم آياته: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً.. الآية، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) أثر قوله: (وإن جاهداك على أن تشرك بي..) أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى
فإذا كان البر واجباً للأم على شركها فلا يبعد أن يكون ذلك سبباً في دخوله الجنة، وربنا سبحانه جواد كريم.
ومن هنا تعلمين أن زوجك أحسن أيما إحسان حيث يقيم على بر أمه، مع ما تقترفه من معاص وآثام، وهو يرجو بذلك الجنة، ونسأل الله أن يثيبه على ذلك، وقد أحسن كذلك عندما نظر إلى كبر سنها، وكونها تحتاج إلى مزيد بر وإحسان، لأنها في آخر عمرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن عليه كذلك أن ينصح أمه، وينهاها عن هذه المنكرات التي تقترفها بقول لطيف، وأسلوب حسن، لا ينافي البر، ولا يجوز له أن يترك الأجنبي يختلي بها، لأن هذا من الدياثة، وليس من البر، وليراجع في ذلك الفتوى رقم: 15647 .

وأما بالنسبة لمعاملتك لحماتك فنصيحتنا لك أن تعامليها برفق ولطف، لا سيما وأن في ذلك مراعاة لحق زوجك عليك، ولا تبخلي عليها بعون ولا مساعدة ما دام ذلك في غير معصية، ونذكرك بأن هذه المرأة في أخريات حياتها، فقد تموت اليوم أو غداً، فتندمين ندماً شديداً على أن لم تكوني قد أحسنت إليها، ومع ذلك فعليك أن تنصحيها بأسلوب طيب، فلعل الله أن يتوب عليها، وتموت على عمل صالح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها متفق عليه، واللفظ لمسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني