الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المشاركة في مسابقة دينية طمعًا في الجائزة فقط، وتفسير حديث: لا سبق إلا في ...

السؤال

هل من الجائز شرعًا المشاركة في المسابقة عن الأخلاق التي قمتم بإقامتها طمعًا في الجائزة فقط؟ وما هو تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج أبو داود، وابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر.

قال الخطابي: السبق بفتح الباء هو ما يجعل للسابق على سبقه من جعل، أو نوال، فأما السبق بسكون الباء فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقًا، والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء، يريد أن الجعل، والعطاء لا يستحق إلا في سباق الخيل، والإبل، وما في معناهما، وفي النصل ـ وهو الرمي ـ وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو، وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد، وتحريض عليه، ويدخل في معنى الخيل: البغال، والحمير؛ لأنها كلها ذوات حوافر، وقد يحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها؛ لأنها تحمل أثقال العساكر، وتكون معها في المغازي، وأما السباق بالطير، والزجل بالحمام، وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب، ولا من باب القوة على الجهاد، فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز .اهـ.

وجمهور العلماء على أن المسابقة بعوض ممنوعة في غير ما ورد في هذا الحديث، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في أصل جواز المسابقة بعوض، إلا أنهم اختلفوا فيما تجوز فيه المسابقة، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز السباق بعوض إلا في النصل، والخف، والحافر، وبهذا قال الزهري، قال في المغني: المراد بالنصل هنا: السهم ذو النصل، وبالحافر: الفرس، وبالخف: البعير، عبر عن كل واحد منها بجزء منه يختص به، وذهب الحنفية إلى أن السباق يكون في الأنواع الأربعة: الحافر، والخف، والنصل، والقدم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر ـ إلا أنه زيد عليه السبق في القدم بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقد توسع الشافعية في جواز المسابقة على عوض فألحقوا بالسهام المزاريق ـ الرماح الصغيرة ـ والرماح والرمي بالأحجار بمقلاع، أو يد، والرمي بالمنجنيق، وكل نافع في الحرب، كالرمي بالمسلات، والإبر والتردد بالسيوف والرماح، هذا هو المذهب. اهـ.

وأجاز بعض العلماء بذل العوض في المسابقات الدينية، كما في الفتوى رقم: 11604.

وعلى هذا القول تجوز إقامة المسابقات الدعوية بعوض، والاشتراك فيها، ويجب أن تكون نية طلب العلم لله هي الباعث الأساس، ولا حرج في أن يكون قصد نيل الجائزة تابعًا لتلك النية، ولا يجوز أن ينوي المشارك مجرد الحصول على الجائزة، كما سبق في الفتوى رقم: 110379.

وإقامة المسابقات الدعوية، وتوزيع الجوائز على الفائزين لترغيب الناس في المشاركة والاستفادة أمر حسن لا حرج فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكما أن العقوبات شرعت داعية إلى فعل الواجبات، وترك المحرمات، فقد شرع أيضًا كل ما يعين على ذلك، فينبغي تيسير طريق الخير والطاعة، والإعانة عليه، والترغيب فيه بكل ممكن، مثل أن يبذل لولده وأهله، أو رعيته ما يرغبهم في العمل الصالح: من مال، أو ثناء، أو غيره؛ ولهذا شرعت المسابقة بالخيل، والإبل، والمفاضلة بالسهام، وأخذ الجعل عليها؛ لما فيه من الترغيب في إعداد القوة، ورباط الخيل للجهاد في سبيل الله حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق بين الخيل هو وخلفاؤه الراشدون، ويخرجون الأسباق من بيت المال، وكذلك عطاء المؤلفة قلوبهم، فقد روي: أن الرجل كان يسلم أول النهار رغبة في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني