الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط صحة كفارة اليمين بالصيام، وحكم أداء الكفارة على التراخي

السؤال

في الماضي، كنت كثير القسم، وكثير من هذه الأيمان كنت أحنث فيها، وكنت أكفر عنها بصيام ثلاثة أيام، لكني اكتشفت أن الواجب إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.
فهل يجوز تقدير هذه الأيمان، وإخراج قيمة الإطعام مالاً كما نص في المذهب الحنفي، ثمن صاع من الأرز أدفعه لكل مسكين في عشرة مساكين؟ وهل يجوز دفع هذا المبلغ على التراخي؟
عند أدائي للخدمة العسكرية أقسمت بالعديد من الأيمان، وحنثت فيها، وصمت عنها، ووقت الحنث لم تكن لدي القدرة على الكفارة.
فهل الصيام مجزئ على المذهب الحنبلي؟ وهل هذا تلفيق بين المذاهب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن التكفير بالصيام لا يجزئ إلا في حالة العجز عن الإطعام، أو الكسوة، أو العتق؛ لقول الله تعالى بعد ذكر هذه الثلاثة: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89}.
ولذلك، فإذا كنت في وقت التكفير تجد ما تطعم به، أو تكسو، فلا يجزئك الصوم. وعليك أن تعيد الكفارة بما تستطيعه من أنواعها.

جاء في الفقه على المذاهب الأربعة: ويشترط لصحة الكفارة -بالصيام- أن يعجز عن فعل الثلاثة، ويعتبر العجز وقت الأداء، لا وقت الحنث، فلو كان معه مال وقت الحنث، ثم ذهب، وصام، ثم رجع له المال، فإن الصيام يجزئه؛ لأنه كان عاجزا وقت الأداء. اهـ.

وأما دفع قيمة الإطعام وما في حكمه للمساكين، فإنه يجوز عند أبي حنيفة -كما أشرت-، كما يجوز عند المحققين من أهل العلم إذا كان ذلك أنفع للمساكين؛ وانظر الفتوى رقم: 78467 وما أحالت عليه.
وفي خصوص ما إذا كان يجوز دفع هذا المبلغ على التراخي، فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يجوز تأخير الكفارة بدون عذر.

جاء في شرح المختصر للخرشي المالكي: وَهَلْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ التَّرَاخِي؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ.

وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: تجب كفارة يمين، ونذر على الفور إذا حنث؛ لأنه الأصل في الأمر المطلق. اهـ.

وقيد الشافعية وجوب الفور بما إذا كان الحنث في معصية.

جاء في تحفته المحتاج للهيتمي الشافعي: هَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْفَوْرِ؟ قَالَ: فِي التَّتِمَّةِ: إنْ كَانَ الْحِنْثُ مَعْصِيَةً فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز تأخير كفارة اليمين، وأنها تجب بالحنث على الفور؛ لأنه الأصل في الأمر المطلق. وذهب الشافعية إلى أن كفارة اليمين تجب على التراخي. اهـ.

وأما ما صُمت عنه في حال عدم قدرتك على الإطعام وما في حكمه، فإنه مجزئ عنك في المذهب الحنبلي، والحنفي وغيرهما؛ لقول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89}.

وليس له علاقة بالتلفيق بين المذاهب.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني