الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

‏هل تثاب الحائض زمن الحيض على ما كانت تعمله أيام طهرها، ومنعها الحيض منه؟

السؤال

ورد عن الرسول صلى الله عليه ‏وسلم، أذكار تقال بعد الصلاة كالتسبيح، والتحميد، ‏والتكبير ثلاثًا ‏وثلاثين، وفي حديث آخر عشر ‏مرات لكل منها،‏ فهل تقال في مواعيد ‏الصلوات إن وجد عذر شرعي لعدم ‏الصلاة؟ أم إن الحكم يكون كحكم المريض ‏الذي يكتب له أجر ما كان يعمله في ‏صحته -جزاكم الله خير الجزاء-؟‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن المعلوم أن معقبات الصلاة من الأذكار المرتبطة بالصلاة، كما تدل عليه ألفاظ الأحاديث الواردة فيها، كحديث: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة. وحديث: معقبات لا يخيب قائلهن، أو فاعلهن دبر كل صلاة. وحديث: من سبح الله في دبر كل صلاة. وحديث: كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله، وحده، لا شريك له ... وغيرها من الأحاديث.

والمرأة الحائض، أو النفساء وإن كان لها أن تكثر من ذكر الله تعالى، إلا أن التزامها معقبات الصلاة في أوقاتها مع كونها لا تصلي، فهذا لا نعلم أنه ورد به دليل، أو أن نساء الصحابة فعلنه، أو قال به أحد من الأئمة؛ ومن ثم فالسنة تركه، ولها أن تفعل من الذكر ما شاءت، من غير أن تلتزم شيئًا من ذلك في أوقات لم يرد الدليل بالتزامه فيها.

وأما هل تثاب الحائض زمن الحيض على ما كانت تعمله من عبادات أيام طهرها، ومنعت منه بسبب الحيض؟

فجوابه أن بعض العلماء قد أخذوا من حديث: إذا مرض العبد أو سافر ... أنها تثاب.

وقد دلت الأدلة على أن ثواب المعذور ليس محصورًا في المرض، أو السفر، بل بوجود العذر المانع؛ ففي الحديث: إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبًا، ولا واديًا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر.

والعذر أعم من المرض؛ فإن في المدينة أناسًا تخلفوا لعدم وجود نفقة يتمكنون بها من الخروج للجهاد وهم أصحاء، كما قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التوبة:91}. ومع هذا فهم مثابون، وكذا جاء في الحديث: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه. رواه مسلم.

قال عياض: هذا يدل على أن من نوى شيئًا من أفعال الخير، ولم يفعله لعذر يكون بمنزلة من عمله. اهــ.

ورد هذا القول آخرون مستظهرين أنها لا تثاب.

قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لحديث: إذا مرض العبد أو سافر: أخذ من الحديث أن الحائض، والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياسًا على المريض، والمسافر، ورُد بالفرق بأن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام، مع أهليته لها، والحائض غير ذلك، بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض، بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها. اهــ.

وقال النووي في شرح مسلم: فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها، كما يثاب المريض، والمسافر، ويكتب له في مرضه، وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته، وحضره، فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها، مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت، غير ناو الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره، ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه، والله أعلم. اهــ.

وأخذ بعض الفقهاء أنها لا تثاب من حديث: ما رأيت من ناقصات عقل، ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ... أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها.

قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويتوجه أن وصفه لها عليه السلام بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض، يقتضي أن لا تثاب عليها. اهــ.

ولكنها تثاب على ترك العبادة امتثالًا للشرع، كما في حاشية الجمل: وتثاب الحائض على ترك ما حرم عليها، إذا قصدت امتثال الشارع في تركه. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني