الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العبرة في نفقة الأم كفايتها وسد حاجتها، وصور من البر

السؤال

ما هي الحقوق الشرعية للأم؟ وخاصة المادية منها؟ علماً بأن الأم تتقاضى معاشاً عن الأب يكفي لمأكلها ومشربها وعلاجها، كما أنها تسكن بشقة تمليك إرث عن الأب ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد تقدم الكلام عن حقوق الأم والوالدين في الفتوى رقم: 21916 - والفتوى رقم: 2894 - والفتوى رقم: 4296.
والواجب على الأولاد تجاه أمهم أن يسعوا إلى برها وإدخال السرور عليها وكفايتها كفاية تامة بحيث لا تحتاج إلى سؤال أو تطلع إلى ما في أيدي الناس، فالإنفاق على الأم من النفقات الواجبة لها على أولادها.
ولا شك أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، ولا يكلف الإنسان في ذلك فوق طاقته، فالفقير يسعى قدر طاقته، والغني لو أنفق جل ماله لإرضاء أمه ما كان ذلك كثيراً، وإن كان لا يجب عليه إلا ما يسد حاجتها.
قال في المغني 8/169: ويجبر الرجل على نفقة والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم. انتهى
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى
وفي تبين الحقائق 3/64: نفقة الوالدين تجب على الولد وإن كاناَ قادرين على الكسب. انتهى
فلو كانت الوالدة الكريمة تملك ما ذكر السائل في سؤاله لكنه لا يسد حاجتها فإنه يجب عليه الإنفاق عليها لسد حاجتها، فليس العبرة بما تملكه، إنما العبرة بكفايتها وسد حاجتها وهذا هو الحد الأدنى من الواجب، ولا ينبغي للمسلم أن يفرط في هذا الحد الواجب، وراجع لزاماً الفتوى رقم: 25339.
وما كان فوق ذلك من نفقات فإنه بر وصلة ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون.
وإليك شيئاً من أخبار الصالحين وكيف كان برهم بأمهم، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر، كذلكم البر. رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وعبد الرزاق في مصنفه، وزاد: وكان أبر الناس بأمه.
وفي السير أن كهمس بن الحسن رأى عقرباً، في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته إلى جحرها فأدخل يده في الجحر يأخذها، وجعلت تضربه، فقيل له: ما أردت إلى هذا؟ لم أدخلت يدك في جحرها تخرجها؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر فتجيء إلى أمي فتلدغها.
وعن الحسن بن نوح قال: كان كهمس يعمل في الجص كل يوم بدانقين فإذا أمسى اشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمه.
وفي السير عن بعض آل سيرين قال: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع. وعن ابن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمداً يشتكي شيئاً؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه. انتهى
وفي عيون الأخبار 3/97: وهذا زين العابدين علي بن الحسين وكان كثير البر حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة!! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها. انتهى
وفي حلية الأولياء 3/39: أن عبد الله بن عوف نادته أمه فأجابها فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين.
وكان طلق بن حبيب يقبل رأس أمه وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته إجلالاً لها.
انظر بر الوالدين للطرطوشي صـ78، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من البارين بأمهاتنا وآبائنا وأن يصلح أحوالنا وأن يطهر قلوبنا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني