الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب تأديب الأولاد، وخطر تنشئتهم على المعصية وإهانتهم أمام الناس

السؤال

أريد أن أعلم هل من الصائب أن يُعلِّم الأب ابنته كل ما هو خاطئ من سوء خلق، وكذب، ويعلم أن الغيبة والنميمة حرام، ويتركها تتحدث مع صديقاتها بالغيبة، والنميمة، ولا يمنعها، ويتركها تستمع للأغاني، وتشاهد الأفلام، وتفعل الأفعال السيئة، ثم بعد ذلك يحتقرها، ويسيء معاملتها، ويهينها أمام الجميع في الشارع، وفي المدرسة، والجامعة، ليذم لها ما تفعل، ويكرهها على الأخلاق السيئة التي تتصف بها، ويقول إنه يعلمها عمليا وليس نظريا؟
وهل إن كان يشاهد الأفلام أمامها، ويستمع إلى الأغاني وهو كاره لذلك؟ هل يصبح آثما بذلك؟
وإذا زوج الابنة من زوج يربي الأبناء بنفس ذلك الأسلوب، بما فيه من معصية لله، لكن بكره، وليس حبا في المعصية، لكي يعلم الأبناء.
هل على الابنة أن تطيع زوجها في إفساد أخلاق الأبناء، ثم احتقارهم، وإهانتهم لأفعالهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن من الواجبات على الوالد في الإسلام، أن يحسن تربية أبنائه، وأن يصونهم عن المحرمات، وعما يفسد أخلاقهم.

قال ابن القيم في كتابه تحفة المودود: باب في وجوب تأديب الأولاد، وتعليمهم: قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم 6. قال علي رضي الله عنه: علموهم، وأدبوهم. وقال الحسن: مروهم بطاعة الله، وعلموهم الخير. وفي المسند، وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع. وقد روى الحاكم عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله. وقال عبد الله بن عمر: أدب ابنك؛ فإنك مسؤول عنه ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك، وطواعيته لك. وقد روى البخاري في صحيحه، من حديث نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير راع على الناس، وهو مسؤول عن رعيته؛ والرجل راع على أهل بيته؛ وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها، وولده، وهي مسؤولة عنهم؛ وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين، وسننه. فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت؛ إنك عققتني صغيرا، فعققتك كبيرا؛ وأضعتني وليدا، فأضعتك شيخا. فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء، وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا، والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع، والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم، ونفعهم لهم، هو من عقوبة الآباء. اهـ بتصرف.

واحتقار الأبناء، والإساءة إليهم، وإهانتهم أمام الناس ظلم، وليس سبيلا لعلاج انحرافهم، بل قد يزيدهم ذلك انحرافا، ومن العجب أن يظلم الأب أبناءه بتربيتهم على السوء، ثم يسعى في علاج ذلك بأنواع أخرى من الظلم كالعدوان عليهم بالإساءة والإهانة.

واجتراح الوالد للمحرمات بين يدي أبنائه، يخشى أن يكون ذلك إعانة لهم عليها، فيبوء بإثمهم إذا ارتكبوها. وقد جاءت أدلة كثيرة تبين أن من أعان على معصية، له إثم، كما أن لفاعل المعصية إثما؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. وفي الحديث الآخر: لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل. متفق عليه.

وترجم عليه الإمام البخاري: باب إثم من دعا إلى ضلالة، أو سن سنة سيئة.

وليس للزوجة أن تطيع زوجها، أو تعينه على إهماله للأولاد، وتنشئتهم على المعصية، ورذائل الأخلاق، بل عليها أن تصون أولادها عن ذلك، وأن تنصح زوجها، وتكف فساده عن أولادها قدر وسعها.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 35308، والفتوى رقم: 21907 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني