الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجنة دار ثواب وتنعم، لا دار تكليف

السؤال

أحتاج منكم لإجابة شافية ـ نأمل في عفو الله سبحانه ونكون من أهل الجنة آمين يا رب العالمين ـ والسؤال هل الإنسان في الجنة مخير بمعنى أنه يمكن أن يخطئ؟ فلعنة الله على إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه لأنه كان مخيرا وهو في صفوف الملائكة في الجنة، وقد قيل عنه بأنه كان طاووس الملائكة لمنزلة عبادته لله سبحانه وهو مخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجنة دار ثواب وحبور للمؤمنين، وليست دار تكليف، فإنه ليس ثم أمر ونهي حتى تكون هناك طاعة ومعصية، ولكنهم فيها يتنعمون بما شاءوا من أصناف النعيم، وقد أخبر الله تعالى عن حالهم بأنهم مستغرقون في ذكر الله تعالى، فقال سبحانه: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {يونس:10}، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس، وذلك لكمال التذاذهم بمعرفة الله تعالى وذكره وعظيم محبتهم له لما رأوا من فضله وعاينوا من منته، فكيف يتصور مع هذا أن يريد الواحد منهم أن يعصي هذا الرب الذي ملك ذكره عليه جميع وقته، قال ابن القيم: فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة، فأخبر سبحانه عن أوله وآخره، فأوله تسبيح وآخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس، وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة تسقط عنهم، ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها. انتهى. وانظر الفتوى رقم: 60676.
وقال الشيخ عمر سليمان الأشقر ـ رحمه الله ـ في كتابه الجنة والنار: قلوب أهل الجنة صافية، وأقوالهم طيبة، وأعمالهم صالحة، فلا تسمع في الجنة كلمة نابية تكدر الخاطر، وتعكر المزاج، وتستثير الأعصاب، فالجنة خالية من باطل الأقوال والأعمال، (لا لغو فيها ولا تأثيم) [ الطور: 23]، ولا يطرق المسامع إلا الكلمة الصادقة الطيبة السالمة من عيوب كلام أهل الدنيا (لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا) [ النبأ : 35]، (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاما) [مريم : 62]، (لا تسمع فيها لاغية) [الغاشية : 11]، إنها دار الطهر والنقاء والصفاء الخالية من الأوشاب والأكدار، إنها دار السلام والتسليم (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاما) [ الواقعة : 25-26]، ولذلك فإن أهل الجنة إذا خلصوا من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، ثم يهذبون وينقون بأن يقتص لبعضهم من بعض، فيدخلون الجنة وقد صفت منهم القلوب، وزال ما في نفوسهم من تباغض وحسد ونحو ذلك مما كان في الدنيا، وفي الصحيحين في صفة أهل الجنة عند دخول الجنة "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً"، وصدق الله إذ يقول: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) [ الحجر : 47 ]، والغل: الحقد، وقد نقل عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب أن أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يشربون من عين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل، ويشربون من عين أخرى فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم، ولعلهم استفادوا هذا من قوله تعالى: (وسقاهم ربهم شراباً طهورا) [ الإنسان: 21]. انتهى.
وإبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 68139، والفتوى رقم: 26445، والفتوى رقم: 56882.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني