الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرثية يزيد بن مزيد بن زائدة فيها مبالغات

السؤال

كتب أحد الشعراء، رثاء في يزيد بن أخي معن بن زائدة مطلعها:
أحقا أنه أودى يزيد تَبَيَّنْ أيها الناعي المشيد
لو قرأتم هذا الرثاء من قبل؟ هل فيه أي محذور شرعي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر هذه المرثية غير واحد كابن عبد ربه في (العقد الفريد)، والبكري في (سمط الآلي، في شرح أمالي القالي) وابن خلكان في (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان)، وغيرهم.
والمرثية استحسنها من ذكرها من العلماء، والأدباء في كتبهم، وهي لا تخلو من مبالغات على عادة الشعراء، وفيها الحث على لطم الخدود، وذلك في قول الشاعر:

أَبَعْدَ يَزِيدَ تَخْتَزِنُ الْبَوَاكِي ... دُمُوعًا، أَوْ يُصَانُ لَهَا خُدُودُ؟

وفي هذا محذور شرعي، جاءت السنة بالنهي عنه، ففي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
وتتميما للفائدة، ننقل ما ذكره ابن الأثير -رحمه الله- في (الكامل في التاريخ) حول هذه المرثية، فإننا منه قرأنا أبياتها، وحكمنا منصب على رواية ابن الأثير لأبياتها؛ لأن من ذكروا المرثية، قد اختلفوا في رواية بعض أبياتها.
قال رحمه الله: تُوُفِّيَ يَزِيدُ بْنُ مَزَيْدِ بْنِ زَائِدَةَ الشَّيْبَانِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ، بِمَدِينَةِ بَرْذَعَةَ، وَوَلِيَ مَكَانَهُ أَسَدُ بْنُ يَزِيدَ. وَكَانَ يَزِيدُ مُمَدَّحًا، جَوَدًا، كَرِيمًا، وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مَرَاثِيَهُ.

وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْمَرَاثِي مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ رِثَاءً لَهُ، فَأَثْبَتُّهُ لِجَوْدَتِهِ:

أَحَقًّا أَنَّهُ أَوْدَى يَزِيدُ؟ ... تَبَيَّنْ أَيُّهَا النَّاعِي الْمُشِيدُ

أَتَدْرِي مَنْ نَعَيْتَ وَكَيْفَ فَاهَتْ ... بِهِ شَفَتَاكَ؟ كَانَ بِهَا الصَّعِيدُ

أَحَامِي الْمَجْدِ وَالْإِسْلَامِ أَوْدَى؟ ... فَمَا لِلْأَرْضِ وَيْحَكَ لَا تَمِيدُ؟

تَأَمَّلْ، هَلْ تَرَى الْإِسْلَامَ مَالَتْ ... دَعَائِمُهُ؟ وَهَلْ شَابَ الْوَلِيدُ؟

وَهَلْ مَالَتْ سُيُوفُ بَنِي نِزَارٍ ... وَهَلْ وُضِعَتْ عَنِ الْخَيْلِ اللُّبُودُ؟

وَهَلْ تَسْقِي الْبِلَادَ عِشَارُ مُزْنٍ ... بِدَرَّتِهَا؟ وَهَلْ يَخْضَرُّ عُودُ؟

أَمَا هُدَّتْ لِمَصْرَعِهِ نِزَارٌ؟ ... بَلَى! وَتَقَوَّضَ الْمَجْدُ الْمَشِيدُ

وَحَلَّ ضَرِيحَهُ إِذْ حَلَّ فِيهِ ... طَرِيفُ الْمَجْدِ وَالْحَسَبُ التَّلِيدُ

أَمَا وَاللَّهِ مَا تَنْفَكُّ عَيْنِي ... عَلَيْكَ بِدَمْعِهَا أَبَدًا تَجُودُ

فَإِنْ تَجْمُدْ دُمُوعُ لَئِيمِ قَوْمٍ ... فَلَيْسَ لِدَمْعِ ذِي حَسَبٍ جُمُودُ

أَبَعْدَ يَزِيدَ تَخْتَزِنُ الْبَوَاكِي ... دُمُوعًا، أَوْ يُصَانُ لَهَا خُدُودُ؟

لِتَبْكِكَ قُبَّةُ الْإِسْلَامِ لَمَّا ... وَهَتْ أَطْنَابُهَا وَوَهَى الْعَمُودُ

وَيَبْكِكَ شَاعِرٌ لَمْ يُبْقِ دَهْرٌ ... لَهُ نَسَبًا وَقَدْ كَسَدَ الْقَصِيدُ

فَمَنْ يَدْعُو الْإِمَامَ لِكُلِّ خَطْبٍ ... يَنُوبُ وَكُلِّ مُعْضِلَةٍ تَؤودُ

وَمَنْ يَحْمِي الْخَمِيسَ إِذَا ... تَعَايَا بِحِيلَةِ نَفْسِهِ الْبَطَلُ النَّجِيدُ

فَإِنْ يَهْلِكْ يَزِيدُ فَكُلُّ حَيٍّ ... فَرِيسٌ لِلْمَنِيَّةِ أَوْ طَرِيدُ

أَلَمْ تَعْجَبْ لَهُ؟ ! إِنَّ الْمَنَايَا ... فَتَكْنَ بِهِ وَهُنَّ لَهُ جُنُودُ

قَصَدْنَ لَهُ وَكُنَّ يَحِدْنَ عَنْهُ ... إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ لَهَا وَقُودُ

لَقَدْ عَزَّى رَبِيعَةَ أَنَّ يَوْمًا ... عَلَيْهَا مِثْلَ يَوْمِكَ لَا يَعُودُ

وَكَانَ الرَّشِيدُ إِذَا سَمِعَ هَذِهِ الْمَرْثِيَّةَ بَكَى، وَكَانَ يَسْتَجِيدُهَا، وَيَسْتَحْسِنُهَا. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني