الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغناء ليس راحة ودواء، وإنما هو ضنك وشقاء

السؤال

أنا شاب عمري 17 سنة، أمارس العادة السرية منذ زمن، وللأسف أصبحت مدمنًا لها، وكلما أحاول تركها –للأسف- أعود لها بعد بضعة أيام، وقد تركتها منذ ما يقارب 6 أشهر، وعزيمتي الآن أصبحت قوية -والحمد لله-، ولكن سبب هذه العزيمة هي أني أسمع الأغاني الهادئة، وهي لا تسبب لي شهوة، بل بالعكس تساعدني كثيرًا في حياتي، وتعطيني راحة نفسية في كل مرة أستمع لها، وعند الغضب تُهدئ لي أعصابي، وأنا -والحمد لله- ملتزم بالصلاة، والصوم، والاستغفار، فهل هذه الأغاني حرام؟ مع أنها -كما قلت- ساعدتني في تخطي هذه العادة القبيحة، وتساعدني في أوقات الضيق، وفقدان الأمل، فهل في سماعها ذنب؟ وأعتذر إذا أطلت في الموضوع.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى تحريم الغناء -ولو كان هادئًا- إذا كان مصحوبًا بالموسيقى، أو ما اشتمل على ما يحرك الغرائز، وانظر الفتويين: 987، 165231.

فاتق الله، وبادر بالتوبة منه، واحذر من تسويل الشيطان أنه راحة، وعلاج للعادة السرية، بل هو يزيد الغريزة، وقد يؤجج الشهوة فيما بعد، وما جعل الله المعصية سببًا للنعمة، وراجع في تحريم الاستمناء وما يعين على تركه الفتوى رقم: 7170.

ونذكرك -أخانا الكريم- أن الغناء ليس دواء، ولا راحة، وإنما هو ضنك؛ قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}، ولن تجد الراحة، ولا الأمل الحقيقي إلا في التعلق بالله؛ قال ابن القيم في الداء والدواء: فإِن حقيقة العبد روحه، وقلبه، ولا صلاح لها إِلا بإلهها الذي لا إِله إِلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إِلا بذكره، وهي كادحة إِليه كدحًا فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إِلا بمحبتها، وعبوديتها له، ورضاه، وإِكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات، والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك، بل ينتقل من نوع إِلى نوع، ومن شخص إِلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت، ثم يتعذب به -ولا بد- في وقت آخر، وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به، ويلتذ به غير منعم له، ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به، ووجوده عنده، ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأَظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد، وتخرقه، وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه، ومضرة، وأَلم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب. انتهى.

وليكن تغنيك بكلام الله؛ قال ابن رجب في فتح الباري: فأما تغني المؤمن: فإنما ينبغي أن يكون بالقرآن، كما قال النبي: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). والمراد: أنه يجعله عوضًا عن الغناء، فيطرب به، ويلتذ، ويجد فيه راحة قلبه، وغذاء روحه، كما يجد غيره ذلك في الغناء بالشعر، وقد روي هذا المعنى عن ابن مسعود أيضًا.

وأما الغناء المهيج للطباع، المثير للهوى: فلا يباح لرجل، ولا لامرأة فعله، ولا استماعه؛ فإنه داع إلى الفسق، والفتنة في الدين، والفجور، فيحرم كما يحرم النظر بشهوة إلى الصور الجميلة؛ فإن الفتنة تحصل بالنظر، وبالسماع؛ ولهذا جعل النبي (زنا العينين النظر، وزنا الأذن الاستماع).

ولا خلاف بين العلماء المعتبرين في كراهة الغناء، وذمه، وذم استماعه، ولم يرخص فيه أحد يعتد به ... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني