الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صحة نسبة قول: (فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا) للإمام مالك

السؤال

هل هذا الأثر ضعيف، أو صحيح؟
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، نا الحسين بن يعقوب، نا سعيد بن فحلون، نا يوسف بن يحيى المغامي، نا عبد الملك بن حبيب، أخبرني ابن الماجشون، أنه قال: قال مالك بن أنس: من أحدث في هذه الأمة اليوم شيئا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. فما لم يكن يومئذ دينا، لا يكون اليوم دينا.
قال مبتدع البريلوي: عبد الملك بن حبيب كثير الوهم، ضعيف.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الأثر مشهور عن الإمام مالك -رحمه الله- وقد ذكره بسنده ابن حزم -رحمه الله- في الإحكام في أصول الأحكام، وذكره الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام في موضعين، وهو من علماء المالكية.
وعبد الملك بن حبيب -رحمه الله- وإن كان ضعيفا في رواية الحديث، إلا أنه إمام من أئمة المالكية، فهو غاية في دراية أقوال الإمام مالك.

وقد نقل القاضي عياض -رحمه الله- في ترتيب المدارك عن ابن الفرضي قوله: كان عبد الملك حافظاً للفقه على مالك، نبيهاً فيه. غير أنه لم يكن له علم بالحديث، ولا معرفة بصحيحه، من سقيمه. انتهى.
ومعلوم أن الضعيف من الرواة إذا كان مختصا بعلم معين، أو إمام معين، فإن أقواله تقبل في ذلك العلم، أو أقوال ذلك الإمام، كابن الكلبي مثلا؛ فهو عمدة في الأنساب، مرجع في هذا الفن، متروك في الحديث وروايته.

كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وابن الكلبي يُرجَعُ إليه في النسب. انتهى.

وقال ابن الأثير -رحمه الله- في موضع اختلف فيه من حيث النسب: وأظن الحق مع قول الكلبي؛ لعلمه بالنسب. انتهى.
وكذلك الواقدي ضَعْفُه في الرواية مشهور، ومع ذلك فهو عمدة في السير والمغازي.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: وَالْوَاقِدِيُّ عِنْدَهُ زِيَادَاتٌ حَسَنَةٌ، وَتَارِيخٌ مُحَرَّرٌ غَالِبًا; فَإِنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْكِبَارِ، وَهُوَ صَدُوقٌ فِي نَفْسِهِ، مِكْثَارٌ. انتهى.
ومثل ذلك سيف بن عمر.

قال ابن حجر في تقريب التهذيب: سيف بن عمر التميمي، صاحب كتاب الردة، ويقال له الضبي، ويقال غير ذلك، الكوفي، ضعيف في الحديث، عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه. انتهى.
فالخلاصة أن هذا الأثر مما تُقْبَلُ روايتُه عن عبد الملك بن حبيب؛ لأنه من أئمة مذهب الإمام مالك، ويرويه عن إمام آخر، وتلميذ للإمام مالك، وهو ابن الماجشون، فهما من أعرف الناس بأقوال إمامهم، وإيراد أهل العلم لهذا الأثر، مُشعر بقبولهم له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني