الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح عبارة: تقرؤه نائما ويقظان

السؤال

في الحديث الذي رواه مسلم: تقرأه نائما ويقظان. أي القرآن.
فهل يفهم منه جواز قراءة القرآن في السر، أي بعدم تحريك اللسان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلشراح هذا الحديث تعليقات على جملة: (تقرؤه نائما ويقظان)

يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما قوله تعالى: تقرؤه نائما ويقظان، فقال العلماء: معناه يكون محفوظا لك في حالتي النوم واليقظة، وقيل تقرؤه في يسر وسهولة. انتهى.

وفي شرح الطيبي على مشكاة المصابيح: ((تقرؤه نائما ويقظان)) أي يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك، وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال، فلا تغفل عنه نائما ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به: هو يفعله نائما. انتهى.

وقال ابن الجوزي في المشكل من حديث الصحيحين: فإن قيل: فكيف يقرؤه نائما؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:

أن معنى تقرؤه: تجمعه حفظا وأنت نائم، كما تقرؤه في اليقظة.

والثاني: أن الإشارة إلى تسهيله، فضرب النوم مثلا للسهولة، كما يقال: أنا أسبق فلانا -إذا عدا- قاعدا.

والثالث: أن المعنى: تقرؤه وأنت متهيئ للنوم، والمراد عن ظهر القلب. ومن سبق من الأمم كانوا لا يقرءون كتبهم إلا من الصحف. انتهى.

أما كون قراءة القرآن بالقلب دون حركة اللسان، مستفادة من جملة: (تقرؤه نائما ويقظان) فلم نر من قال به من أهل العلم, بل إن القراءة لا بد فيها من حركة اللسان, وإليك بعض كلام أهل العلم في هذه المسألة.

جاء في كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ): لأن القراءة لا تطلق إلَّا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه، ولهذا اتفق العلماء على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة بلسانه، لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة، وكذلك لو أمرّه الجنب على قلبه من غير لفظ جاز، مع أنه يقال: قرأت بقلبي. انتهى.
وقال ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل": عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه سئل عن الذي يقرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه، ولا يحرك به لساناً. فقال: "ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان" انتهى.
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف، لا تجوز صلاته. وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن، فنظر فيها، وفهمها ولم يحرك لسانه، لم يحنث. انتهى.

يعني لأنه لم يقرأ، وإنما نظر فقط.
وفي مجموع الفتاوى للشيخ ابن عثيمين: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟
فأجاب: القراءة لا بد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة، فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لا بد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني