الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تكرار يمين الطلاق المعلق على عدم فعل شيء

السؤال

لدي مشكلة في أنني لا أستطيع تملك غضبي، الذي قد يصل إلى تحطيم بعض أثاث المنزل، ولم أكن أبالي بهذا الشيء حتى وإن نتجت عنه خسائر مادية، حيث اعتبرت هذه الخسائر نوعا من العقاب لنفسي على شدة الغضب.
أما عن المشكلة التي أقلقتني فهي أنني بعد زواجي زاد منسوب الغضب عندي، بسبب ضغوط الحياة والمشاكل الزوجية المعتادة، خاصة التي أشعر فيها بإهانة لكرامتي، وبدأت في الحلف بالطلاق: بيمين معلق، قائلا لزوجتي (علي الطلاق لا تفعلين كذا) والمقصود بيميني كان المنع. ولما سألت دار الإفتاء، أفادوني بأن على كفارة يمين فقط؛ لكون الغرض من اليمين التهديد وليس وقوع الطلاق، فحمدت الله شاكرا،
ولكن حدثت بالأمس مشكلة كبيرة سببت لي غضبا عارما، نتج عنه يمين طلاق بعدم تنفيذي لشيء قد طلبته مني زوجتي، بعد أن وافقتها عليه كنوع من العقاب لها (وقد حدث هذا بسبب شدة الغضب) ولما ناقشتني في الأمر كنت ما زلت غاضبا، فأكدت على اليمين الأول بيمين ثان.
أريد أن أعرف شيئين:
1- هل يميني يعتبر يمينا معلقا، وله كفارة يمين مثل اليمين السالف ذكره؟ مع العلم أنني في المرة الحالية لم يكن الغرض المنع؛ لأن تنفيذ هذا الشيء بيدي وليس بيد أحد غيري، ولكن كان المقصود به إيقاع العقاب، وإشعار زوجتي بالحزن، كما أشعرتني به نتيجة المشكلة نفسها.
2- في حالة اعتباره طلاقا نافذا، وليست له كفارة يمين، هل معنى ذلك أنني نفذت طلقتين؛ لكوني أكدت على اليمين الأول بيمين آخر؟
الشيء المطلوب لم يتم تنفيذه بعد والحمد لله، ولكنني أريد أن أعلم؛ لشعوري بالأسى على زوجتي بعد هذا العقاب، ولأن هذا الشيء ضروري جدا في حياتنا، وقد نصل لمرحلة عدم إمكان الاستغناء عنه لتوفير الأموال لمنزلنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دمت لم تقصد إيقاع الطلاق بهذه اليمين، ولكن قصدت عقوبة زوجتك بعدم تلبية طلبها، فهي كاليمين الأولى، وفي حكمهما خلاف بين أهل العلم، فبعضهم يجعلها كاليمين بالله، لا يقع بها طلاق، وتجب الكفارة بالحنث فيها، والجمهور على وقوع الطلاق بالحنث فيها، وهو المفتى به عندنا، وانظر الفتوى رقم: 11592.
فمن حلف بالطلاق، أو علقه على شرط حال غضبه، فيمينه منعقدة ما دام عقله ثابتاً مدركاً لما يقول، ومن علّق طلاق امرأته على شرط، وكرّر التعليق مرات بغرض التأكيد، لم يتكرر الطلاق بتكرر التعليق.

قال الشيخ زكريا الأنصاري (رحمه الله): لَوْ كَرَّرَ التَّعْلِيقَ بِالدُّخُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِالدُّخُولِ إلَّا وَاحِدَةٌ. أسنى المطالب في شرح روض الطالب.
وعلى كل حال، فما دمت لم تحنث في يمينك، فلم يقع طلاقك، لكن إذا فعلت ما حلفت على تركه، فالمفتى به عندنا وقوع الطلاق، ولا حرج عليك في العمل بالقول الآخر الذي أفتتك به دار الإفتاء من قبل، ما دمت مطمئناً إلى قولهم.
واعلم أنّ الغضب مفتاح الشر، فينبغي الحذر منه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ" رواه البخاري.

قال ابن رجب: فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرّز منه جماع الخير. جامع العلوم والحكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني