الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منازل السلف والخلف، وهل يفضل المهتدي على من اهتدى على يديه؟

السؤال

قرأت هذا الحديث: "من دعا إلي هدى، كان له مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئا" إلى آخر الحديث.
السؤال: إذا تاب شخص من المعاصي، أو دخل في الإسلام على يد داعية. فهل بإمكان الذي اهتدى، أن يعلو من كان سببا في هدايته في الدرجات في الجنة بإذن الله، إذا ما اتقى الله، وأكثر من الطاعات، وازداد معرفة بالله من خلال دراسته للعلوم الشرعية مثل العقيدة مثلا؟
وقد قرأت في فتوى في هذا الموقع، أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى درجات الصالحين من غير الصحابة. فهل هذا يتعارض مع الحديث؟ فالأئمة الأربعة مثلا قد نفعوا الناس لأكثر من ألف عام. فهل يأتي شخص لم يبلغ مبلغهم من العلم، ونفع الناس، ويصل إلى درجاتهم في الجنة أو يعلوهم؟ وماذا لو عملت بقول الله تعالى: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون؟ وما أعلمه أن المنافس في أي شيء لا يريد التساوي مع بقية المتنافسين، بل السبق. فهل هذا ممكن مع جميع الناس من غير الأنبياء والصحابة (أقصد الرفعة في الدرجات).
وما جعلني أسأل هذه الأسئلة أنني علمت أن من الزهد في الدنيا أن يجعل الإنسان كل همه الآخرة، ولا شك بأن أهم ما في الآخرة هو دخول الجنة والرفعة في الدرجات.
أجيبوني أثابكم الله، ويغفر الله لي إن أخطأت في السؤال.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فأما علو درجة المهتدي إن استقام على الطاعة واجتهد، فوق درجة من دعاه إلى الهدى، فهذا ممكن، ولا يلزم من كون الداعي له مثل أجر المدعو، أن يكون ثوابهما سواء في المقدار أو المضاعفة.

قال المناوي في فيض القدير: (من دل على خير) شمل جميع أنواع الخصال الحميدة (فله) من الأجر (مثل أجر فاعله) أي له ثواب كما لفاعله ثواب، ولا يلزم تساوي قدرهما. ذكره النووي. أو أن المراد المثل بغير تضعيف .. اهــ.
وقد بينا في الفتوى رقم: 277054 أنه لا يبلغ درجات الصحابي أحد ممن جاء بعده، وذكرنا سبب ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للحافظ ابن عبد البر، وراجع الفتوى رقم: 139963.

وأما غير الصحابة من الناس، فلا شك أن المتقدمين من السلف أفضل في الجملة من المتأخرين، كما يدل عليه حديث: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.

وقد قال المناوي في شرح الحديث السابق، مبينا أن ما وصلنا من الخير إنما جاءنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن طريق السلف، وأن لهم أجرا على ذلك.

قال: وبه يظهر رجحان السلف على الخلف، وأنه كلما ازاد الخلف ازداد أجر السلف ... اهــ.

ومع ذلك فلا يبعد أن يأتي من الخلف من يقوم لله تعالى في إقامة دينه ونصرة شريعته، في زمن مشقة وجهاد، فتعلو درجته على درجة من سبقه من الخلف غير الصحابة، وقد جاء في الحديث عند الإمام أحمد في المسند -وصححه الألباني وأحمد شاكر- مرفوعا: يَخْرُجُ مِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، يَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، هُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني