الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال: (إذا غفر لي، فأقسم إني لن أفعل الذنب الفلاني) وتكرر الفعل

السؤال

أنا صاحبة الاستشارتين رقم: 2398365 و 2398505.
عندي استفسار حول كفارات اليمين التي تجب عليّ، وكيفية أدائها، فقد سبق لي في العام الماضي أن وعدت الله عند توبتي من ذنب، أنه إذا غفر لي، فأنا أقسم إنني لن أعود لذلك الذنب أبدًا، لكني بعدها فعلته أربع أو خمس مرات ناسية، وأخرى وأنا أتذكر وعدي، لكن الشيطان غلبني، فما كفارة ذلك؟ وهل تجب عليَّ كفارة واحدة؟ أم عليَّ كفارة عن كل مرة فعلت فيها الذنب؟
وحلفت مرة أخرى أنني لن أستمع إلى الموسيقى أبدًا، لكنني بعدها نسيت، وفعلتها مرات عديدة، لا تحصى، وبعدها ذكرت عهدي، وفعلتها عدة مرات مع ذلك، فهل عليّ كفارة واحدة عن كل ذلك؟
وقبل عدة أيام -وأعتذر على التكرار، لكنني بطيئة الفهم، وأحبّ أن أعلم كل نواحي الموضوع؛ حتى لا يبقى عندي وساوس، وأتمنى أن تتفهموا ذلك، جزاكم الله خيرًا-، وعدت الله أنه إذا غفر لي، فسأفعل ما بوسعي؛ لأكون مسلمة جيدة، لكني بعدها فعلت أشياء ليست جيدة، وأريد أن أعرف -رحمكم الله- هل عليَّ كفارة عن كل ذنب فعلته مع التوبة، أم ماذا؟ وكيف أخرج الكفارة؟ فأنا أملك 200 درهم مغربي، وذلك يسعني لشراء 20 كيلو من الأرز أو أكثر قليلًا، لكن ذلك سيجبرني على إخبار عائلتي بما حدث لي، وطالما ستر الله عيوبي ومعاصيّ، وكان ذلك -في ذلك الوقت- يؤلمني؛ لأنهم يظنون عني أشياء جيدة، وأنا مقززة من الداخل، لكني الآن لا أريد أن أُحزِن والديّ، وأخبرهم بكل ما اقترفت من معاصٍ، وذنوب، فهل عليَّ أن أتصدق بذلك المبلغ لامرأة فقيرة، ضعيفة النظر، تحتاج من يتصدق عليها؛ لتشتري نظارات، أم عليَّ المحافظة على ذلك المبلغ للكفارة؟
وحول موضوع الصوم: هل يحل لي أن أصوم كفارتي متقطعة -كل اثنين وخميس مثلًا-؟ جزاكم الله خيرًا على إجابتكم، ونصائحكم، وأنار قلوبكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الحلف على عدم فعل شيء ما، تنحل فيه اليمين بمجرد فعل ذلك الشيء، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية - في ذكر ما تنحل به اليمين -: الحنث، فإن اليمين إذا انعقدت، ثم حصل الحنث بوقوع ما حلف على نفيه، أو باليأس من وقوع ما حلف على ثبوته، فهذا الحنث تنحل به اليمين. اهـ.

وبناء على ذلك؛ فإن يمينك على عدم سماع الموسيقى، تنحل بمجرد سماعك للموسيقى، وتجب عليك كفارة واحدة، ولو سمعت الموسيقى مرات عديدة.

وأما قولك: (إذا غفر لي، فأنا أقسم أنني لن أعود لذلك الذنب أبدًا، لكن بعدها فعلته أربع أو خمس مرات ناسية، وأخرى..)، فإن اليمين هنا معلقة بأمر غيبي، لا يمكن التحقق منه -وهو المغفرة-، فهي يمين غير منعقدة، كما في الفتوى: 356797، وما فيها من إحالة.

ولو قيل بانعقادها: فإنما تجب عليك فيها كفارة واحدة؛ لأن يمينك انحلت بمجرد الوقوع في ذلك الذنب، مع التنبيه إلى صيغة: (أقسم) دون ذكر المقسم به، في انعقاد اليمين بها نزاع بين العلماء، وجمهورهم على أن اليمين تنعقد بها، إذا نوى بها اليمين.

وأما تعدد الكفارات بتعدد الأيمان: فما دامت الأيمان متعددة على أجناس -كاليمين على عدم سماع الموسيقى، ثم يمين أخرى على عدم ارتكاب ذنب آخر-، فإنه تلزم لكل يمين منها كفارة، عند جمهور العلماء، وقيل: بل كفارة واحدة -إن حنث في الجميع قبل التكفير-، وراجعي الفتوى: 366481.

وأما وعد الله بفعل شيء ما، أو تركه، فليس يمينًا، كما في الفتوى: 361156.

وأما إخراج كفارة اليمين: فهي مبينة في قوله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.

فلا يجزئ الصيام إلا مع العجز عن الإطعام، والكسوة، والعتق.

وقد اختلف أهل العلم هل يجب التتابع في صيام هذه الأيام أم لا؟ والأولى صيامُها متتابعة؛ خروجًا من خلاف أهل العلم، كما بيناه في الفتوى: 50926.

والمقدار المجزئ من الإطعام هو مدّ من طعام أي: حوالي 750 جرامًا تقريبًا من الأرز، لكل مسكين.

والأحوط أن تجعلي قدر المخرج نصف صاع ـ أي: كيلو ونصف تقريبًا ـ لكل مسكين.

ولا تجزئ القيمة بدل الطعام، ولا دفع الكفارة لمسكين واحد، عند جمهور العلماء، كما بيناه في الفتويين: 387232، 6602، فلا يجزئ تصدقك بالمال على تلك المرأة عن كفارة اليمين.

ونعتذر عن الخوض في إجابة سؤالك الآخر، لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني