الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكلام في دِين الله دون استكمال الآلات يفضي إلى الزلل

السؤال

قد قرأت عن تحريم العطور المشتملة على كحول، وأنا متفق معكم، ولكني أريد أن أعرض على سيادتكم رأيًا، وأتمنى منكم تصحيحه.
(استعمل الله تعالى لفظي "رجس"، و"اجتنبوا" معًا مع الخمر، فقال: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، واستعمل تعالى لفظي: "نجس"، و"يقربوا" معًا مع المشركين، فقال: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا"، وحيث إن الاجتناب من معانيه: أن يصبح الشيء بجانب شيء آخر، أي: لا يختلط به، بل أقصاه أن يلتصق بخارجه، ومواضع رجس في القرآن توحي بأنه معنوي، مثل: "فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ"، و"وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ"، ومع استخدام أداة القصر: "إنما"، فهمت أن الخالق قصر حرمة الخمر على المسلمين على مخالطته الجوف فقط، فقال: "فَاجْتَنِبُوهُ"، أي: لا يختلط بجوفكم، وأقصى حده ملامستكم "مجانبتكم"، فيعني ذلك أن الخمر لا يفسد الطهارة الجسدية بملامسته للجسم، بخلاف المشركين الذين يجب ألا يقربوا المسجد الحرام؛ لنجاستهم الجسدية -وذلك لفعلهم أعمالًا منجسة للجسد-، والمعنوية؛ ولذلك أمرنا الرسول بتقليل التعامل معهم -عدا في أوقات الدعوة-، فقال: "لا تبدؤوهم بالسلام"، ولكن لتأليف القلوب، وعدم نشر البغضاء، فيمكننا مصافحتهم، ولكن ذلك مكروه، أما مع المسجد الحرام، فلا يقربوه.
ولكن تظل العطور المشتملة على كحول، محرمة؛ لكون الكحول مادة طيارة، فعندما توضع على الجسم تفوح الرائحة، وتخالط الجوف). أتمنى أن تصححوا لي تفكيري.
وعندي سؤال وهو: عندما أصلي، أو أجلس بجوار من يضع العطر، المشتمل على كحول -بعد تيقني من وضعه الكحول من رائحته-، فهل ذلك يبطل صلاتي؛ بسبب تطاير الكحول منه أم لا؛ لصعوبة الاحتراز من ذاك؟ وهل النجاسة المعنوية توجب اعادة الوضوء، أو تبطل الصلاة، أم هي إثم في ذاتها؟ شكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي ننصحك به أن تجتهد في تعلم ما يقرره العلماء، ويذكرونه من الحجج على أقوالهم، دون خوض بعقلك، مع قصور آلتك فيما لا تحسنه، فإن ذلك يفضي إلى الوقوع في أخطاء كبيرة:

ومثال ذلك ما ذكرته من الكلام، فهو مشتمل على جملة من الأغلاط، فزعمك أن نجاسة الكفار حسية، هو خلاف التحقيق.

وما ذكرته من معنى الاجتناب، لا يشهد له شرع، ولا لغة، ولو كان سائغًا هنا لكان اصطحاب الخمر، وعدم توقيها مأمورًا به شرعًا، إلى غير ذلك من التخليط الواقع في هذا الكلام.

وعلى كل حال؛ فالنصيحة المبذولة لك هي الإقبال على التعلم، والنظر في كلام أهل العلم، وألا تستقلّ بالاستنباط، والفهم؛ حتى تحصل لك ملكة تعينك على ذلك؛ لئلا تتكلم في دِين الله بغير علم، فتقع في خطر عظيم.

وأما الجلوس بجانب من وضع تلك العطور، فلا يضر، ولا تنتقل النجاسة بمجرد شم تلك الرائحة.

والنجاسة المعنوية -كنجاسة الكفار على التحقيق-، لا تبطل الوضوء، ولا الصلاة.

وليس في مصافحتهم، ومؤاكلتهم، ونحو ذلك إثم أصلًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني