الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تنتقل ملكية المال المتبرَع به لعلاج الشخص لورثته بعد وفاته؟

السؤال

رجل مرض مرضًا عضالًا، وقام ثلاثة أشخاص بدعوة أهل الخير لمساعدته، وجمع مبلغ العلاج المقرر من قبل المستشفى، وصل المبلغ المتبرع به من جمع لفيف من أهل الخير، والذي يتجاوز عددهم العشرات في أواخر حياة المريض -يرحمه الله تعالى-، فهل يعد هذا المبلغ صالحًا لتوزيعه على ورثته -يرحمه الله-، أم يتم إعادته إلى الناس؟ وسألت الأشخاص الذين دعوا الناس للتبرع، والمساهمة: ماذا أفعل به؟ فقالوا: لا داعي للتشاور مع العدد الغفير الذين تبرعوا به؛ لأنهم دفعوه لله، ثم لعلاج المريض، وهو لأولاده الآن، والمريض أوصاني بأسرته خيرًا، والمبلغ معي، فما رأي فضيلتكم فيه؟ وكيف أتصرف؟ علمًا أنه أوصاني بعمل صدقة جارية له، وهو في شدة المرض قبل يومين من وفاته -يرحمه الله تعالى-، والوصية كانت بالإشارة؛ لأنه فقد القدرة على الكلام، والرؤية، وبقي العقل، والسماع.
المرحوم ترك أمًّا، وزوجة، وثلاثة أبناء، وثلاث بنات، والباقون من الأقارب محجوبون بالأبناء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهؤلاء الأشخاص إنما تبرعوا بهذا المال لعلاج ذلك المريض، فمقصودهم من التبرع مراعى، ومن ثم؛ فلا يجوز صرف المال في غير الجهة التي تبرعوا لأجلها، إلا بإذنهم، وقد نص الفقهاء على أنه يجب مراعاة شرط المتبرع، إن كان له مقصود شرعي، ولم يكن تبرعه من باب الهبات المحضة، جاء في حاشية الجمل: لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ، تَعَيَّنَ لَهُ، عَلَى مَا يَظْهَرُ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ؛ نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ. انتهى. وقال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: اشْتَرِ لَك بِهَا عِمَامَةً، أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، تَعَيَّنَتْ لِذَلِكَ؛ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ، هَذَا إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ بِالْعِمَامَةِ، وَتَنْظِيفَهُ بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ، وَشَعَثِ الْبَدَنِ، وَوَسَخِهِ، وَإِلَّا، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ، بَلْ يَمْلِكُهَا، أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ. انتهى.

وإذا علم هذا؛ وكان تبرع هؤلاء الأشخاص ليس من باب الهبات، كما هو واضح، وإنما تبرعوا لأجل ذلك المقصد، فالواجب إذا تعذر صرفه في مقصدهم -لموت من تبرعوا بالمال لأجله-، أن يرد المال إليهم، ولا يجوز صرفه لورثة الميت بغير إذنهم، فعليك أن تبين الحال لمن أمكنك بيانه لهم من أولئك المتبرعين، فمن رضي منهم بصرف المال للورثة، أو بعمل صدقة جارية للميت، فبها، وإلا فليأخذ حصته من المال، ومن تعذر سؤاله، وبيان الحال له منهم، فإن ما تبرع به ينفق في أقرب الوجوه لمقصوده، فيدفع لمريض آخر؛ ليعالج به؛ تحقيقًا لقصد المتبرع ما أمكن.

وأما ما أوصاك به هذا الميت من عمل صدقة جارية عنه، فالواجب تنفيذه من ثلث ماله؛ لكونه وصية واجبة التنفيذ، فإن لم تكن له تركة تنفذ منها الوصية، فلا شيء عليك، وإن تبرعت -أنت، أو غيرك- بالصدقة عنه، أو عملتم له صدقة جارية، نفعه ذلك، ووصله ثوابها باتفاق العلماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني