الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رمي الطلاق المتكرر حال الغضب الشديد

السؤال

أنا سريع الغضب، سريع الرضا، لكن إذا غضبت أتصرف بحماقة، وغضبي يعميني، وكأني لا أعي ما أقول، لكن بعده أندم، وأتراجع عن أبسط الأشياء، وأُستفَزُّ بشدة من زوجتي، وأرمي عليها الطلاق، أو أحلف به، ورميته عليها خلال السنتين خمس مرات، أو أقل، أو أكثر.
علما لا يكون مني إلا وأنا غضبان، وبعده أكون مثل التائه لا أعلم كيف أتصرف، والشيطان يغيِّب عني كل شيء، وصدري يلتهب، وفي قرارة نفسي لا أريد تطليقها.
أفتوني هل وقع الطلاق، ويعلم الله أني في غضب أقيمه لنفسي الغضب الشديد، ما بين المدرك والمغيَّب عنه، لكن أعرف ماخرج مني، وأسمع للمشايخ، وأحاول أن أتجنب الغضب، وأن أكون حليما، لكن أقسم بالله في كثير من الأوقات ما أقدر غصبا عني.
أفتوني هل هي زوجة لي أم محرمة عليَّ؟ وهل أنا أعيش معها بالحرام كل هذا الوقت؟
وكل مرة أبحث عن فتوى، وأفتي بها نفسي، وما أقدر الذهاب لدار الإفتاء أو القضاء أو المفتي، حتى وإن بقيت كذا؛ لأني إنسان غير اجتماعي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالغضب أمره خطير، ومدخل من مداخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وقد تكون عواقبه وخيمة، ولذلك حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين كيفية علاجه، فراجع الفتوى: 8038.

فأنت عرفت مصدر ضعفك، فاحرص على أن تعمل على العلاج بعزيمة وإصرار، وينبغي أن تبتعد عن كل ما ترى أنه يستفزك ويدعوك للغضب، وإذا اقتضى الأمر أن تخرج من البيت فافعل، فقد فعل ذلك الأخيار. وراجع الفتوى: 123615.

والحلف بالطلاق ليس بالأمر الهيِّن، فمذهب جمهور الفقهاء، ومنهم المذاهب الأربعة أنه يقع به الطلاق بكل حال، ولو قصد الزوج مجرد التهديد، هذا بالإضافة إلى أن يمين الطلاق يسميها الفقهاء يمين الفساق، وانظر الفتوى: 11592، والفتوى: 65881.

وطلاق الغضبان سبق بيان التفصيل فيه في الفتوى: 127033، والراجح عندنا والذي نفتي به أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، إلا إذا كان صاحبه لا يعي ما يقول، كما في الفتوى: 292576.

وما اختاره ابن القيم قول له اعتباره، فيسعك الأخذ بهذا القول، فقد رخص بعض أهل العلم في الأخذ بالرخصة في المسائل الاجتهادية دفعا للحرج.

قال السبكي الشافعي في الأشباه والنظائر: يجوز التقليد للجاهل والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. اهـ.

وبخصوص مسألتك لا نستطيع إعطاء حكم فيها؛ لأنك لم تذكر لنا كيف طلقت، ولا الصيغة التي تلفظت بها، ولا السبب الحامل لك على الأيمان، ومعرفة هذه التفاصيل ضرورية للحكم على أيمانك تلك.

هذا؛ وننبهك إلى أن على العامِّي سؤال من يثق بهم من أهل العلم، فلا يكفي أن يبحث عن مسألته في الكتب.

قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.

وما ذكرت من كونك غير اجتماعي لا ينبغي أن يمنعك من السؤال عما تحتاج معرفة حكمه، روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها قالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني