الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استحباب إعطاء البشير بشراه

السؤال

أحسن الله إليكم. جاءني أحد الإخوة يبشرني أنه رأى لي رؤيا في المنام بحصولي على مبلغ من المال، ثم طلب مني إن تحققت الرؤيا، وحصلت على مال أن أعطيه جزءًا منه كبشارة مقابل الرؤيا المبشرة، فقلت له: لا داعي لهذا الشرط، ولا تعتبر هذا حقا لك عندي، واجعل البشارة خالصة لله. فلم يعجبه قولي، ثم قام يؤولها أنها شر، وأنها هَمٌّ وغَمٌّ، ويتمنى لي ذلك؛ كيدا منه؛ لأني لم أوافق على إعطائه طلبه إن تحققت. فما حكم طلبه؟ وما حكم تأويلاته المتناقضة؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على أن إعطاء البشير من السنن المستحبة، والأخلاق الحميدة، وله شواهد كثيرة، من أشهرها ما جاء في قصة توبة الله -تعالى- على كعب بن مالك، حيث آذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتوبة الله عليه حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشرونه، وركض إليه رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على ذروة الجبل ـ وكان الصوت أسرع من الفرس ـ فلما جاءه الذي سمع صوته يبشره نزع له ثوبيه، فكساه إياهما ببشراه، وكان لا يملك غيرهما، واستعار ثوبين ولبسهما، وانطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن القيم في زاد المعاد: في استباق صاحب الفرس والراقي على سلع ليبشرا كَعْبًا دليل على حرص القوم على الخير، واستباقهم إليه، وتنافسهم في مسرة بعضهم بعضا. وفي نزع كعب ثوبيه وإعطائهما للبشير، دليل على أن إعطاء المبشرين من مكارم الأخلاق والشيم، وعادة الأشراف، وقد أعتق العباس غلامه لما بشره أن عند الحجاج بن علاط من الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يسره. وفيه دليل على جواز إعطاء البشير جميع ثيابه. اهـ.

وكذلك قصة ولادة مارية القبطية لإبراهيم بن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أن مارية ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبشره، فوهب له عبدا.

قال ابن القيم في تحفة المودود: وفي قصة مارية وإبراهيم أنواع من السنن – فكر منها – السادس: استحباب إعطاء البشير بشراه. اهـ.
وهذا – كما هو واضح – مستحب لا واجب.

وعليه؛ فلا يستحق مانعه عقوبة ولا لومًا، بل غايته أن يرشد للمستحب وينصح بما هو أفضل. فما بالنا إن كانت البشرى بأمر غيبي قد لا يتحقق!!

وإذا تقرر هذا عُرِف أن مقابلة الممتنع عن إعطاء البشير بتمني الشر له ومكايدته: خلق مذموم وسلوك مرذول. فضلا عن تأويل الرؤيا بالهوى والجهل لإدخال الحزن على المسلم، وفي هذا من الأذيِّة ما لا يحل شرعا.

وقد سبق أن أشرنا إلى حرمة أذى المؤمن إلا بوجه شرعي، وذلك في الفتوى: 254710. كما سبق لنا بيان حكم تعبير الرؤى في الفتوى: 271726.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني