الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصير أصحاب الكبائر، وسبب خلود إبليس في النار رغم عدم شركه بالله

السؤال

رأيت منشوًرا قبل أيام مضت، وفيه ما قيل: إنه حديث صحيح عن النبي أنه قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا؛ دخل الجنة"، فإن كان هذا الحديث صحيحًا، فمعناه: أن أهل الكبائر والمعاصي أيضًا سيدخلون الجنة، وإن كانوا سيعذبون في النار بسبب ذنوبهم، فهل هذا صحيح؟ وهل كل عاص ومرتكب للكبائر، سيكون مصيره الأبدي الجنة، إذا كان لا يشرك بالله شيئًا؟
وإذا كان الحديث صحيحًا، فكيف تفسرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"؟
وإذا كان الحديث صحيحًا، فلماذا سيدخل إبليس النار، وهو عصى الله فقط، ولم يشرك به؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن معتقد أهل السنة والجماعة الذي تعضده النصوص الشرعية بخصوص أهل الكبائر من هذه الأمة، الذين ماتوا على التوحيد قبل أن يتوبوا منها، هو: أن مصيرهم إلى الجنة لا محالة، وأنهم لن يخلدوا في النار.

وأن من استحقّ منهم النار ودخلها، سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب، أو يشفع فيه أحد الشافعين، أو يشمله الله بعفو منه ومغفرة.

ومما يدل على هذا المعتقد: حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فبشّرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق. متفق عليه.

وكذلك حديث الشفاعة الطويل عن أنس -رضي الله عنه-، وفي آخره يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب، أمتي، أمتي، فيقول: انطلق فأخرجْ من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من إيمان، فأخرِجْه من النار، فأنطلقُ فأفعلُ. أخرجه البخاري، وغيره.

وما ورد من النصوص الدالة على عدم دخولهم الجنة، كالحديث المشار إليه في السؤال: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. أخرجه مسلم، وغيره.

فتأويله: أنهم لا يستحقون دخولها ابتداء، وإن كانت هي مصيرهم في نهاية حالهم.

وبهذا تنتظم النصوص، ويزول ما يوهم التعارض بينها.

وأما إبليس فهو من الكافرين بنصّ القرآن، بل كفره هو أصل الكفر، وهو الاعتراض على الله تعالى في حكمه، والعناد، والإباء، والاستكبار على أمره، قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة:34}، فانظر الفتويين: 40072، 5617.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني