الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن سجّل في دورة وحضر محاضرتين فقط، فهل يلزمه شيء؟

السؤال

لديّ استفسارات عن أشياء في ذمتي:
أولًا: أنا منذ سنوات سجّلت في أكاديمية عبارة عن دورات، وكل شهر أدفع 100 دينار ليبي، ولم أحضر إلا محاضرتين، وتركتها قبل أن أدفع المبلغ، وأتذكّر أنهم لم يلزمونا بالدفع من البداية، وأول محاضرة أعطوني كتابًا فيه المنهج، وتذكّرت الآن أنه -ربما- كان يجب عليّ دفع ثمن المحاضرتين، وكان يجب عليّ إرجاع الكتاب، ولكن الكتاب ضاع، وأظن أن الأكاديمية أغلقت، وأخشى إن دفعت لهم المال الآن أن يظنوا أني حضرت أكثر من محاضرتين، كما أخشى أن يتهموني بالغش، فما الواجب عليَّ الآن؟ وهل أتصدق عن مبلغ المحاضرتين والكتاب؟ وكيف أقدّر ثمنهما؛ فالمبلغ 100 دينار في الشهر، وكان في الأسبوع محاضرة أو اثنتين -لا أتذكر-، ولم أحضر إلا محاضرتين فقط؟
ثانيًا: في آخر سنة من الثانوية منذ سنوات أعطونا في المدرسة لبس (روب) التخرج لنحتفل بالتخرج من الثانوية، وحدثت حرب في منطقتنا عام 2014، ونزحنا من منزلنا، وعندما رجعنا لم أجد اللبس (الروب)، فهل عليَّ دفع ثمنه للمدرسة؟
ثالثًا: في أحد أيام الجامعة اشتريت ماء بنصف دينار، ولم يكن عند البائع الباقي، فلم يأخذ المال، وقال لي: ادفعي لي في وقت آخر، ولكني جئت المحل أكثر من مرة ولم أجده، وعندما بدأ الفصل الجديد بالجامعة لم يفتح المحل، فهل عليّ أن أتصدق بالمبلغ؟
رابعًا: أبي يضع عندي مالًا؛ لأنه يثق فيَّ، وأحيانًا يقول لأمّي أو إحدى أخواتي -عندما يطلبن شيئًا-: خذن من فلانة -يقصدني-، وأنا لا أثق بأمّي كثيرًا، فأحيانا أعطيها دون أن أتوثّق هل قال لها فعلًا: خذي أم لا، مع العلم أنه لم يقل لي يومًا: لا تعطي أحدًا أرسلته إلا بإذني، فأخشى أن أكون مخطئة، وأن ما أعطيته دون علم والدي يكون في ذمّتي.
خامسًا: عليَّ كفارات يمين، وكل ما سبق أموال -ربما كلها- في ذمتي، ولكني لا أملك إلا 55 دينارًا، وبعض الدنانير التي لا تتجاوز الخمسة، ففي أي شيء مما سبق عليَّ أن أدفع هذه الأموال أوّلًا؟ مع العلم أن الدنانير التي أعتقد أنها لا تتجاوز الخمسة اختلطن مع أموال والدي بالخطأ، ولا أعرف كيف أفرزهنّ، فأنا لا أتذكر عددهنّ، وأملك قرطًا في أذني، فهل يجب عليَّ بيع الذهب الذي في أذني لسداد ما عليَّ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما الجزء الأول من السؤال: فإن كنت عقدت الإجارة مع المعهد على مدة معينة؛ فإن الإجارة حينئذ لازمة، ولا يحق لك فسخها دون عذر إلا برضا المعهد، ويستحق المعهد أجرة تلك المدة كاملة، ولو تركت الدراسة أثناء تلك المدة، ولم تكمليها، كما سبق في الفتاوى: 96275، 70982، 100899، 96275.

وأما إن كان عقد الإجارة على مدة غير معينة، بل على ما يعرف بالمشاهرة (كل شهر بكذا)، فالأجرة تلزم في الشهر الأول بإطلاق العقد، وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبّس به، فإن لم تحضري إلا أسبوعًا، فتلزمك أجرة شهر واحد، وإن حضرت شهرًا وأسبوعًا، تلزمك أجرة شهرين، وهكذا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إذا قال المؤجر: (آجرتك هذا كل شهر بدرهم)، فقد اختلف الفقهاء في صحة الإجارة حسب الاتجاهات التالية:

ذهب الحنفية، والمالكية، وبعض الحنابلة، وأبو ثور إلى: أن الإجارة صحيحة، إلا أن الشهر الأول تلزم الإجارة فيه بإطلاق العقد، وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبّس به، وهو السكنى في الدار. واستدلوا بأن عليًّا -رضي الله عنه- استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة.

والقول الصحيح للشافعية، ولأبي بكر عبد العزيز بن جعفر، وأبي عبد الله بن حامد من الحنابلة: أن العقد باطل؛ لأن "كل" اسم للعدد، فإذا لم يقدره، كان مبهمًا مجهولًا، فيكون فاسدًا، كما لو قال: (آجرتك مدة أو شهرًا).

قال في الإملاء - وهو القول المقابل للصحيح للشافعية -: تصح الإجارة في الشهر الأول، وتبطل فيما زاد؛ لأن الشهر الأول معلوم، وما زاد مجهول، فصحّ في المعلوم، وبطل في المجهول، كما لو قال: (آجرتك هذا الشهر بدينار، وما زاد بحسابه). اهـ.

ويجب عليك إيصال الحق إلى أصحاب المعهد بأي طريقة، أو طلب العفو والمسامحة عنه، وقولك: (وأخشى إن دفعت لهم المال الآن أن يظنوا أني حضرت أكثر من محاضرتين، كما أخشى أن يتهموني بالغش)، لا يسقط عنك وجوب إيصال الحق إلى أصحابه.

ولن تعدمي سبيلًا لإيصال الحق إليهم، ولا يلزمك إخبارهم بتفاصيل الأمر، بل المهم هو أن يصل الحق إليهم.

وأما قَدْر ما يجب عليك رده من الأجرة، وقيمة الكتاب: فإنك تجتهدين، وتقدّرين ذلك بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: وإن كان المختلط دراهم جهل قدرها، وعلم مالكها؛ فيرد إليه مقدارًا يغلب على الظن البراءة به منه. اهـ.

وأما الجزء الثاني: فإن كان ذلك عارية، فيجب عليك ردّ قيمته إلى المدرسة -ولو لم يكن منك تفريط في ضياعه-، كما بينا في الفتوى: 9287.

وأما الجزء الثالث: فيجب عليك ردّ هذا المبلغ إلى صاحبه، إن أمكن، وإن تعذر الوصول إليه، تصدقت به عنه.

وأما الجزء الرابع: فلا يحلّ لك أن تعطي أحدًا -ولو كانت أمّك- من وديعة أبيك التي عندك، إلا إن تحققت من أن والدك أمر بذلك، وإلا كنت مفرِّطة ضامنة تلك المبالغ لوالدك، ويجب عليك ردّ تلك المبالغ إليه، إلا أن يعفو ويسامح.

وقد نص الفقهاء أنه لا يجب دفع المال لمن ادَّعى أن صاحب الحق أمر بذلك -وإن صدقه-، جاء في كشاف القناع: (فإن كان عليه) أي: على إنسان (حق) من دين، كثمن، وقيمة متلف (أو عنده وديعة لإنسان، فادّعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه) الدين، أو الوديعة (فصدّقه) المدين أو الوديع (لم يلزمه الدفع إليه) لأن عليه فيه تبعة؛ لجواز أن ينكر الموكل الوكالة، فيستحق عليه الرجوع، إلا أن يقيم به بينة (وإن كذبه) أي: كذب المدين أو الوديع مدّعي الوكالة (لم يستحلف) لعدم فائدة استحلافه، وهي الحكم عليه بالنكول (كدعوى) إنسان (وصية به) أي: بالدين، أو الوديعة، فلا يلزم المدين، ولا المودع الدفع إليه، إن صدقه، ولا الحلف إن كذبه؛ لما تقدم. اهـ.

وأما الجزء الخامس: فإن كنت تسألين عن تعدد الكفارة بتعدد الأيمان، فراجعي فيه الفتوى: 79783.

وإن كنت تسألين عن الكفارات وديون الآدميين أيهما يقدم: ففيه تفصيل، راجعيه في الفتوى: 96589.

وأما الجزء السادس: فإن كانت المبالغ التي عندك لا تفي بالديون الحالّة التي يطالب بها أربابها؛ فإن المبالغ تقسّم بين الغرماء بنسبة دين كل منهم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء إلى أنه إذا حجر على المدين المفلس -وهو الذي أحاط الدَّين بماله- فإن الغرماء يتحاصّون في ماله، يوزعه القاضي عليهم بنسبة دين كل منهم:

قال الدردير: تقسم أموال المفلس بين الغرماء بنسبة الديون بعضها إلى بعض، ويأخذ كل غريم من مال المفلس بتلك النسبة، وطريق ذلك بأن تجمع الديون، وينسب كل دَين إلى المجموع، فيأخذ كل غريم من مال المفلس بتلك النسبة، فإذا كان لغريم عشرون، ولآخر ثلاثون، ولآخر خمسون، فالمجموع مائة، ونسبة العشرين لها خمس، ونسبة الثلاثين لها خمس وعشر، ونسبة الخمسين لها نصف، فإذا كان مال المفلس عشرين: أخذ صاحب الخمسين نصفها -عشرة-، ويأخذ صاحب الثلاثين خمسها وعشرها -ستة-، وصاحب العشرين خمسها -أربعة-.

ويحتمل طريقًا آخر: وهي نسبة مال المفلس لمجموع الديون، فلو كان لشخص مائة ولآخر خمسون، ولآخر مائة وخمسون، ومال المفلس مائة وخمسون، فنسبة مال المفلس لمجموع الديون النصف، فيأخذ كل غريم نصف دينه. اهـ. وراجعي الفتوى: 125428.

وأما الجزء السابع: فإن الحلي يجب بيعه لقضاء الديون الحالّة التي يطالب بها أربابها، وانظري في هذا الفتويين: 236248، 127576.

وأما الجزء الثامن وهو قولك: (مع العلم أن الدنانير التي أعتقد أنها لا تتجاوز الخمسة اختلطن مع أموال والدي بالخطأ، ولا أعرف كيف أفرزهن!!): فالمراد منه غير واضح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني