الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفارة نقض العهد مع الله بترك الكذب، وهل تتكرر بتكرر الفعل؟

السؤال

عاهدت الله على عدم فعل شيء ما، وفعلته، وصمت ثلاثة أيام لنقض عهدي، فهل يجب عليّ صيام ثلاثة أيام كلما رجعت للفعل، أم تكفي الأيام الثلاثة الأولى؟ وماذا عليّ إن قلت: "أعاهدك ربي بتوفيقك لي، لا أكذب مرة أخرى"، وكذبت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعهد مع الله، يجب الوفاء به؛ لقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ {النحل:91}، وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء:34}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا دين، لمن لا عهد لا له. رواه أحمد.

ولكن في العهد تفصيل وهو: أن من عاهد الله على قربة وطاعة؛ فهي نذر، ويمين، ومن عاهد الله على ما ليس بقربة؛ فهي يمين، لا نذر.

وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ ولذا قال في الفتاوى الكبرى: فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام؛ فهو نذر، وعهد، ويمين.

وإن قال: لا أكلم زيدًا؛ فيمين، وعهد، لا نذر. فالأيمان تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة، لزمه الوفاء، وهي عقد وعهد ومعاهدة لله؛ لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه...انتهى.

وقد ذكرت في السؤال أن مقتضى عهدك لله حول ترك الكذب، وتركه طاعة؛ فيكون ذلك نذرًا ويمينًا.

فإن أخللت بذلك -مع أن ترك الكذب يجب بأصل الشرع-، فقد وقعت في محرم، فاستغفري الله منه، ولا تعودي إلى ذلك، وقد أخللت بالعهد الذي يعتبر هنا يمينًا ونذرا، كما قال شيخ الإسلام.

والواجب بسبب ذلك مع التوبة، كفارة يمين.

والكفارة هي: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجز عن واحدة من الثلاث، صام ثلاثة أيام، ولا يجوز البدء بالصيام مع القدرة على الإطعام، أو الكسوة، أو تحرير رقبة.

وهذه الكفارة بأقسامها الأربعة مذكورة في كتاب الله تعالى، قال تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.

وقولك: هل تتكرر الكفارة بتكرر الفعل؟ جوابه أنها لا تتكرر هنا؛ لأن الصيغة لا تقتضي التكرار، وتجزئ كفارة واحدة، قال الزركشي في (المنثور): متى وجد الحنث مرة، انحلت اليمين، ولا تعاد مرة ثانية. اهـ.

والكذب كبيرة من كبائر الذنوب العظيمة، التي قد تجر صاحبها -والعياذ بالله- إلى النار.

فعلى المسلم اجتنابه، ولو لم يعاهد الله على ذلك.

ولمزيد من الفائدة، نحيلك إلى الفتوى: 26391.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني