الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجر الزوجة بسبب إساءتها وإساءة أبيها، والامتناع عن عمل تقويم لأسنانها

السؤال

ذهبت في مهمة عمل لمدة عشرين يومًا، وتركت زوجتي عند أهلها مع الأطفال، وعندما رجعت من السفر ـ يوم 10 يونيو ـ لأعود بأسرتي نهرني أبوها، وأعطاني الأطفال، واتهمني بأنني عديم التربية، وأن المعاملة الحسنة لا تصلح معي، وأنني بخيل -حتى الخبز لا أحضره-، وأنني أهتمّ بأمي دائمًا، فرددت عليه بأنني شخص متّزن، ولا أفضّل نفسي على أسرتي، فأنا آكل معهم، وأنام معهم، وطردني من بيته، وأمسك زوجتي بطريقة غير أدبية، فعدت للبيت مع الأطفال، ولا أدري ماذا أفعل، ولا أستطيع التفكير بسبب الصدمة، مع العلم أنه يوجد خلاف مع زوجتي، ففي شهر رمضان اشتريت خضراوات للمنزل، واشتريت خضراوات لبيت أخي، فعندما علمت زوجتي نهرتني، وصرخت في وجهي رافضة هذا التصرف، فنهرتها، وطال الجدال والصراخ لمدة ساعة تقريبًا، وبيّنت لها أننا في شهر رمضان، ويجب علينا التصدق بما نستطيع، ولكن دون جدوى، فأخبرتها أنني لست مسامحًا لها، وبات الأطفال معي، وفي الصباح يذهبون إلى أمّي لترعاهم.
وفي يوم 19 يوليو اتصل بي أخو زوجتي ليلًا، فرفضت مقابلته، وفي يوم 23 يوليو رجعت زوجتي للبيت بوساطة أهل الخير، ولكني لم أعد أطيق مجالستها، ولا أريد جماعها، وعندما أراها أتذكر تصرف والدها، وعدم احترامه لي، فأنا مستاء جدًّا مما حصل، فهل عليّ إثم في عدم الحديث معها، وعدم الجماع؟
وبالأمس 29 يوليو أخبرتني أنها تعمل تقويمًا لأسنانها، وأنها ذهبت لعدة جلسات، وأنه توجد جلسة للتقويم بعد غد، فهل أنا ملزم بعمل التقويم لأسنانها؟ فأنا لا علم لي بذلك أبدًا، وإنما ذهبت دون علمي مع أبيها، وأنا لا أملك ثمن التقويم؛ لأنه مكلف. وفقكم الله، وسدد خطاكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرت من هذه التصرفات التي صدرت من والد زوجتك تجاهك، فقد أساء بذلك، والواجب عليه التبين إن كان قد بلغه عنك ما نسب إليك من اتّهامات؛ عملًا بهذه القاعدة الجليلة التي جاء بها الشرع، وهي التثبت عند ورود الأخبار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}.

وننبه هنا إلى أن يكون تدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة من أجل الإصلاح، كما قال سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.

وبخصوص زوجتك إن كان حالها الآن معك على استقامة، فليس من حقك هجرها، أو منعها حقها في الفراش، فقد قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم، فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد. اهـ.

وليس من حقك أن تؤاخذها بما كان من والدها من تصرف معك؛ فلا يؤاخذ المرء بجريرة غيره.

وينبغي أن تتفاهم معها، ويتم اتفاق بينكما على ما يكون؛ ضمانًا لحياة مستقبلية سعيدة، تقوم على الاحترام المتبادل، وأداء الحقوق، وأنك إذا أدّيت إليها حقوقها، فمن حقك أن تحسن بعد ذلك إلى أقاربك، وينبغي أن تعينك على البرّ بهم، والإحسان إليهم؛ فإن هذا مما يعين على المودة، والألفة بين الزوجين.

وننبه إلى أن تستشعرا -كزوجين- أن الله تعالى قد أنعم عليكما بنعمة عظيمة، وهي نعمة الولد التي قد حرمها الكثيرون، وأن من أفضل ما تشكر به هذه النعمة الحرص على تهيئة البيئة السليمة التي ينشأ فيها الأولاد نشأة صالحة؛ فتنالان بذلك خير الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}، نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري ـ وسئل عن هذه الآية ـ فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله، لا والله، ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدًا، أو ولد ولد، أو أخًا، أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل. اهـ.

وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

وإن احتاجت زوجتك لتقويم أسنانها؛ لإزالة عيب، ونحو ذلك، فمن حسن العشرة أن تعينها فيه، قدر استطاعتك، فقد قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

فهذا الأمر وإن لم يكن واجبًا عليك، إلا أن إحسانك إليها يقوّي بينكما الألفة، والمودة، ولمزيد الفائدة، راجع الفتوى: 108098، ففيها مزيد تفصيل عن حكم تقويم الأسنان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني