الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب استيعاب الوجه بالغسل، وإجزاء السجود على بعض العضو

السؤال

هل يجوز السجود على بعض أجزاء الأعضاء المذكورة في حديث: أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ علَى سَبْعَةِ أعْظُمٍ: علَى الجَبْهَةِ، وأَشَارَ بيَدِهِ علَى أنْفِهِ، واليَدَيْنِ، والرُّكْبَتَيْنِ، وأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ. ولَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ والشَّعَرَ.
إن كان الجواب: نعم؛ لأنه لم يقيد في الحديث بالكل. فهل يجوز أن نغسل بعض الوجه في الوضوء؛ لأن الله قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. ولم يقل فاغسلوا كل وجوهكم؟
وفي حديث رفاعة بن رافع -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسيء صلاته: وإذا سجدت، فمكن لسجودك. حسنه الألباني في "صحيح أبي داود". واستيعاب العضو في السجود، من تمكين السجود؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن الواضح جدا أنك تعلم كلام الفقهاء في المسألتين جميعا، وأنهم نصوا بأجمعهم على وجوب استيعاب الوجه في الغسل.

وأنهم نصوا كذلك على إجزاء السجود على بعض العضو، حتى الحنابلة الموجبون للسجود على الأعضاء السبعة، نصوا على إجزاء السجود على بعض العضو كظهر القدم والكف ونحو ذلك.

والإشكال عندك هو في التفريق بين المسألتين، وجوابه أن بعض الحنابلة خالف في هذا، ورأى وجوب تمكين جميع العضو من الأرض.

قال في الإنصاف: وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْيَدَيْنِ بِالسُّجُودِ، وَيُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ. انتهى.

وهذا خلاف معتمد المذهب، واستدل الفقهاء على ما اعتمدوه بأن النص لم يقيد، فمن سجد على بعض العضو كان ساجدا عليه. كما استدل القائل بإجزاء مسح بعض الوجه بنحو هذا، في حين أن السنة بينت وجوب استيعاب الوجه بالغسل، فافترقت المسألتان.

قال شارح الإقناع: البهوتي، مبينا دليل المعتمد على إجزاء الاقتصار على بعض العضو: ويجزئ في السُّجُودِ (بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا) أَيْ: مِن الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذَا سَجَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْحَدِيثِ، وَيُجْزِئُهُ. (وَلَوْ عَلَى ظَهْرِ كَفٍّ، وَ) ظَهْرِ (قَدَمٍ وَنَحْوِهِمَا) كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ أَوْ قَدَمَيْهِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى قَدَمَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ. انتهى.

وأما الحديث الذي استأنست به لوجوب تمكين جميع العضو من الأرض، فعلى تسليم أنه حسن، فلا يتعين ما ذكرته معنى له.

وقد حمله العلماء على خلاف هذا المعنى، فمنهم من حمله على إيجاب الطمأنينة، ومنهم من حمله على إيجاب التحامل على الجبهة.

قال شمس الحق في عون المعبود: أي اسجد سجودا تاما مع الطمأنينة، قاله ابن الملك. وقال ابن حَجَرٍ مَعْنَاهُ: فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنْ مَسْجِدِكَ. فَيَجِبُ تَمْكِينُهَا بِأَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهَا قُطْنٌ انْكَبَسَ. انتهى.

والحاصل أن الصواب ما عليه عامة أهل العلم من إجزاء السجود على بعض العضو؛ لعدم انتهاض دليل يوجب خلاف ذلك.

وأما وجوب استيعاب الوجه بالغسل، فلا خلاف فيه، كما أشرنا.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: وقد أجمعوا على أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء، ولا مسح بعضه في التيمم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني