الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تقدم القبول على الإيجاب في عقد النكاح، وكونه في أكثر من مجلس

السؤال

الرجاء منكم الانتباه والتدقيق في تفاصيل سؤالي حول الإيجاب في عقد النكاح.
من باب الاحترام والاحتشام لدينا في بعض مناطق جنوب تونس أن لا يجتمع الزوج مع أهله، وولي زوجته في مجلس واحد عند عقد النكاح، فتكون العملية يوم العقد مرتبة كما يلي: يأتي عدل الإشهاد أولا إلى مجلس الزوج، فيسأله هل توافق على الزواج من فلانة، فيرد الزوج "نعم أوافق"، ويمضي على العقد في المكان المخصص للزوج.
ثم يتجه العدل بعدها إلى مجلس ثانٍ في منزل آخر حيث يوجد أهل الزوج، وولي الزوجة، وأهلها، والشاهدان، فيسأل ولي الزوجة (على مسمع جميع الحضور) هل توافق على تزويج ابنتك لفلان فيقول "نعم أوافق"، ويمضي في مكانه المخصص له، ويمضي الشاهدان أيضا.
ثم بعد البسملة، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، يستعرض العدل صيغة النكاح كاملة (متضمنة اسم الزوجين والمهر)، ويستدل ببعض الآيات والأحاديث على فضل الزواج والترغيب فيه.
ثم أخيرا يذهب العدل إلى مجلس النساء، ومعه محرم للزوجة، فيسألها بشكل مباشر: هل توافقين على الزواج من فلان، فترد بالقول "نعم أوافق"، وتمضي هي أيضا في المكان المخصص لها بالعقد. هذا كله في وقت نصف ساعة تقريبا.
فهل تعتبر هذه صيغة إيجاب شرعية، وصحيحة أم لا؟ علما أنني متزوج منذ عشر سنوات، وتراودني بعض الشكوك أحيانا في صحة العقد. الرجاء مَدِّي بجواب حسب الحالة المطروحة.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنّ الأصل في عقد النكاح؛ أن يحصل الإيجاب والقبول بين الولي والزوج في مجلس واحد في حضور شاهدين، ويتقدم الإيجاب على القبول، فيقول الولي للزوج: زوجتك فلانة، ويقول الزوج للولي: قبلت زواجها.

لكن إذا تقدم القبول على الإيجاب؛ فالعقد صحيح عند كثير من الفقهاء.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أما الإيجاب فعند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- هو ما يصدر من ولي الزوجة، والقبول هو ما يصدر من الزوج أو وكيله. لكن المالكية والشافعية يستوي عندهم أن يتقدم القبول على الإيجاب، أو يتأخر عنه، ما دام قد تحدد الموجب والقابل. انتهى.

والأصل أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، ويصح إذا لم يكن الولي والزوج في موضع واحد؛ أن يكون بينهما رسول يسمع الإيجاب في حضور شاهدين، ثم ينقله إلى الطرف الآخر، ويسمع منه القبول على الفور في حضور شاهدين، ويكون له حكم المجلس الواحد.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الفقهاء في الجملة إلى صحة إرسال الرسول في النكاح، قال الكاساني: النكاح كما ينعقد باللفظ بطريق الأصالة ينعقد بها بطريق النيابة بالوكالة والرسالة؛ لأن كلام الرسول كلام المرسل، فلو أرسل الرجل إلى من يريد زواجها رسولا، فقبلت بحضرة شاهدين سمعا كلام الرسول؛ جاز ذلك لاتحاد المجلس من حيث المعنى، لأن الرسول ينقل عبارة المرسل، فكان سماع قول الرسول سماع قول المرسل. انتهى.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وقد نقل أبو طالب، عن أحمد، في رجل مشى إليه قوم فقالوا له: زوج فلانا. قال: قد زوجته على ألف. فرجعوا إلى الزوج فأخبروه، فقال: قد قبلت. هل يكون هذا نكاحا؟ قال: نعم. انتهى.

وعليه؛ فالعقد المذكور في السؤال؛ صحيح -إن شاء الله تعالى-، ويؤكد صحته تعارف الناس عليه في ذلك المكان، واعتبارهم له عقدا شرعيا.

وللمزيد تراجع الفتوى: 129367.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني